للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَصَارَتِ الْخَمْسُ كُلُّهَا هِيَ الْمِلَّةُ الَّتِي سَمَّاهَا اللَّهُ سِلْمًا مَفْرُوضًا. فَوَجَدْنَا أَعْمَالَ الْبِرِّ، وَصِنَاعَاتِ الْأَيْدِي، وَدُخُولِ الْمَسَاكِنِ كُلَّهَا تَشْهَدُ عَلَى اجْتِمَاعِ الِاسْمِ، وَتَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ فِيهَا، هَذَا فِي التَّشْبِيهِ وَالنَّظَرِ، مَعَ مَا احْتَجَجْنَا بِهِ (٤٨) مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهَكَذَا الْإِيمَانُ هُوَ دَرَجَاتٌ وَمَنَازِلٌ، وَإِنْ كَانَ سَمَّى أَهْلَهُ اسْمًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالٍ تَعَبَّدَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ، وَفَرَضَهُ عَلَى جَوَارِحِهِمْ، وَجَعَلَ أَصْلَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ، ثُمَّ جَعَلَ الْمَنْطِقَ شَاهِدًا عَلَيْهِ، ثُمَّ الْأَعْمَالَ مُصَدِّقَةً لَهُ، وَإِنَّمَا أَعْطَى اللَّهُ كُلَّ جَارِحَةٍ عَمَلًا لَمْ يُعْطِهِ الْأُخْرَى، فَعَمَلُ الْقَلْبِ: الِاعْتِقَادُ، وَعَمَلُ اللِّسَانِ: الْقَوْلُ، وَعَمَلُ الْيَدِ: التَّنَاوُلُ، وَعَمَلُ الرِّجْلِ: الْمَشْيُ، وَكُلُّهَا يَجْمَعُهَا اسْمُ الْعَمَلِ، فَالْإِيمَانُ عَلَى هَذَا التَّنَاوُلِ إِنَّمَا هُوَ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَمَلِ، مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَفَاضَلُ فِي الدَّرَجَاتِ عَلَى مَا وَصَفْنَا.

وَزَعَمَ مَنْ خَالَفَنَا أَنَّ الْقَوْلَ دُونَ الْعَمَلِ، فَهَذَا عِنْدَنَا مُتَنَاقِضٌ، لِأَنَّهُ إِذَا جَعَلَهُ قَوْلًا فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ عَمَلٌ، وَهُوَ لَا يَدْرِي بِمَا أَعْلَمْتُكَ مِنَ الْعِلَّةِ الْمَوْهُومَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي تَسْمِيَةِ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ عَمَلًا.

وَتَصْدِيقُهُ فِي تَأْوِيلِ الْكِتَابِ فِي عَمَلِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، قَوْلُ اللَّهِ فِي الْقَلْبِ: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل: ١٠٦]، وَقَالَ ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤]، وَقَالَ ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِنَّ فِي الْجَسَدِ لَمُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ الْجَسَدِ، وَهِيَ الْقَلْبُ (٤٩). وَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ مُطْمَئِنًا مَرَّةً، وَيُصْغِي أُخْرَى وَيَوْجَلُ ثَالِثَةً، ثُمَّ يَكُونُ مِنْهُ الصَّلَاحُ وَالْفَسَادُ، فَأَيُّ عَمَلٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ ثُمَّ بَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ [المجادلة: ٨] فَهَذَا مَا فِي عَمَلِ الْقَلْبِ وَأَمَّا عَمَلُ اللِّسَانِ فَقَوْلُهُ (٥٠) ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ


(٤٨) الأصل "احتجاجنا به".
(٤٩) أخرجه الشيخان من حديث النعمان بن بشير بأتم مما هنا.
(٥٠) الأصل "قوله".

<<  <   >  >>