للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا يمكن حصرها إلا بصعوبة من سيرة النبي في مراعاته هذا الأمر المهم فيما يوجه إليه أصحابه وما يأمرهم به من أعمال. الأمر الذي يتضمن إرشاد الأمة إلى ضرورة مراعاة القدرة على العمل والتمكن من تأديته على الوجه المشروع لكل عامل، بحسب ما يعلم من نفسه.

كما دلت على تقرير هذا الأصل أيضاً أقوال السلف وأهل العلم المحققين في السنة:

فعن تميم الداري أن رجلاً سأله عن مقدار قراءته القرآن في كل ليلة فغضب ثم قال له: «أرأيت إن كنتَ أنا مؤمناً قوياً وأنت مؤمن ضعيف، فتحمل قوتي على ضعفك فلا تستطيع فتنبتُّ، أرأيت إن كنت مؤمناً قوياً وأنا مؤمن ضعيف أتيتك بنشاطي حتى أحمل قوتك على ضعفي ولا أستطيع فأنبت، ولكن خذ من نفسك لدينك، ومن دينك لنفسك، يستقيم بك الأمر على عبادة تطيقها». (١)

فبين هذا الصحابي الجليل تفاوت الناس في القدرة على العمل وأن ما يكون مقدوراً عليه من العمل في حق بعضهم لا يكون كذلك في حق الآخرين وبالتالي فاشتغال كل واحد بما يقدر عليه وتستقيم عليه عبادته هو الأفضل في حقه.

وقد كان ابن مسعود يقلُّ الصيام ويقول: «إنه يضعفني عن قراءة القرآن، وقراءة القرآن أحب إلي» (٢). وهذا تحقيق منه لهذا الأصل وامتثاله له في عبادته.

ومن أقوال العلماء المحققين في تقرير هذا الأصل قول شيخ الإسلام ابن تيمية في جواب سائل له عن أفضل الأعمال؟ «وأما ما سألت عن أفضل الأعمال بعد الفرائض، فإنه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه وما يناسب


(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد ٢/ ٧٩٨ برقم (١٠٥٠).
(٢) أورده ابن رجب في لطائف المعارف ص ٤٤٧.

<<  <   >  >>