للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العمل وظهر فيهم الفساد، وهذا متضمن تفضيل عملهم في هذه الحال، على غيره من الأعمال التي لم تصحبها.

ومن الأدلة لهذه المسألة أيضاً قوله لأصحابه: «إن من ورائكم أيام الصبر، المتمسك فيهن يومئذ مثل ما أنتم عليه، له كأجر خمسين منكم قالوا: يا نبي الله! أو منهم؟ قال: بل منكم». (١)

فأخبرهم أن للعامل في هذه الأيام أجر خمسين منهم، على أنه لا يفهم من هذا تفضيل هؤلاء العاملين في تلك الأزمان على أصحاب النبي ؛ إذ الصحبة فضيلة في ذاتها لا يبلغها أحد بعمله كما هو مقرر عند المحققين من أهل السنة (٢)، ولذا أخبر النبي أن الله يعطي هؤلاء العاملين أجر خمسين من الصحابة، ولم يقل إنهم أفضل منهم، لكن في هذا الحديث دلالة على مضاعفة أجر العاملين في أزمان الفتن على العاملين في غيرها.

وهذا من الأوجه التي يظهر بها فضل العمل في أزمان الفتن على غيرها، وهو معنى زائد على التفضيل فقط المفهوم من الحديث السابق.

فإن المفاضلة بين الأعمال تحصل بتفضيل عمل على آخر دون مضاعفة للأجر، وتحصل بمضاعفة أجره مرات عديدة، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا عند الحديث عن التفاضل باعتبار الأمكنة. (٣)

فظهر بهذا شرف العمل في أزمان الفتن وفساد الناس من هذين الوجهين الصحيحين، وقد يضاف لهما وجه ثالث وهو ما دل عليه الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث معقل بن يسار أن النبي قال: «العبادة في


(١) أخرجه الطبراني في الأوسط ٤/ ١٠٠ ح (٣١٤٥) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (٤٩٤).
(٢) انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ٤/ ٥٢٧ وفتح الباري لابن حجر ٧/ ٧.
(٣) انظر ص: ١٧٥.

<<  <   >  >>