للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهناك من يراه الامتداد الطبيعي لمسيرته وكأنه يسلك التدرج (١)، وهناك من يراه ردة فعل على تلك المواجهة العنيفة التي لقيها من الأزهر والفقهاء مما دفعه لموقف انتقامي يدفع للأسى (٢). أما مضمون الكتاب -وهو ما يهمنا- فهو إعلان تغريبي صريح عن رأيه في مشكلات المرأة، وهو دعوة دون مواربة لتقليد حال المرأة الأوروبية، فالمرأة الجديدة هي المرأة الأوروبية، ومع أنه أحال لكتابه السابق عن رأيه في الحجاب إلا أن الحقيقة أبعد من ذلك، فالرؤية الجديدة لم تعد تسمح بالعودة لكتابه السابق؛ وذلك أن الكتاب الجديد يقطع أي طريق للعودة.

[دعوى العلمية للمرحلة الثالثة]: ومن صور الانفصال بين الكتاب السابق "تحرير المرأة" وهذا الكتاب "المرأة الجديدة" دعوى العلمية التى برزت بوضوح في كتابه الثالث، وترتبط العلمية هنا في الغالب بالعلوم الاجتماعية المعروفة داخل فرنسا نهاية القرن التاسع عشر (٣)، والمتأثرة إلى حد بعيد بالفكرة التطورية المستمدة من نظرية "داروين"، ومع أنها لم تكن غائبة في كتابه السابق إلا أنها كانت مضمرة أما هنا فقد صرح بها.

يقول د. محمد عمارة: "ولقد كان طبيعيًا أن يؤمن قاسم أمين بالتطور والتقدم كقانون علمي، ليس في نطاق الظواهر الطبيعية فقط كما اشتهر عند تشارلز داروين (١٨٠٩ - ١٨٨٢ م) في ذلك العصر، بل في الظواهر الخاصة بالحياة الإنسانية،. . . ." (٤) وهي الدارونية الاجتماعية التي اختطفت لفترة من الزمن الفكر الغربي وسار معها أغلب المتغربين باسم العلمية.

وتقول د. ليلى الأحيدب من قسم الاجتماع: "وقد خطا قاسم أمين بهذه الأفكار خطوات مهمة عندما أخضع قضية تحرير المرأة وغيرها من القضايا الاجتماعية للمنطق العلمي، فقد كان من المؤمنين بتطبيق مبادئ المنهج العلمي عند تناول قضايا المجتمع والأسرة، متأثرًا في هذا بأوغست كونت،. . . . وقد أراد قاسم أمين أن يصلح الخلل القائم في مسألة المرأة بناء على ما أثبته العلم


(١) انظر: عودة الحجاب، محمد المقدم ١/ ٦٢.
(٢) انظر: أسس التقدم عند مفكري الإسلام، د. فهمي جدعان ص ٤٧٠، ٤٨٢.
(٣) انظر: النهضة والسقوط في الفكر المصري الحديث، د. غالي شكري ص ٢٠٥.
(٤) قاسم أمين الأعمال الكاملة، د. محمد عمارة ص ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>