للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُثْمَانُ فَحَثَا، وَأَمَّا أَنَا فَحَبَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَقُلْتُ: وَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا رَدَدْتَ عَلَيْنَا. فَقَالَ عُمَرُ: شَنْشَنَةٌ [١] أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْشَنَ- قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي حَجَرًا مِنْ جَبَلٍ- أَمَا كَانَ هَذَا عِنْدَ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ الْقَدَّ. فَقُلْتُ:

بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ هَذَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُحَمَّدٌ حَيٌّ وَلَوْ عَلَيْهِ فُتِحَ صَنَعَ فِيهِ غَيْرَ الَّذِي تَصْنَعُ. قَالَ: فَغَضِبَ عُمَرُ وَقَالَ: إِذًا صَنَعَ مَاذَا؟ قَالَ قُلْتُ.

إِذًا أَكَلَ وَأَطْعَمَنَا. قَالَ: فَنَشَجَ عُمَرُ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَضْلَاعُهُ، ثُمَّ قَالَ:

وَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ منها كفافا لا عليّ ولا لي.

حدثني مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ سِمَاكٍ أَبِي زُمَيْلٍ الدُّؤَلِيِّ- وَقَدْ كَانَ هَوَى نَجْدَةَ [٢]- قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَمَّا اعْتَزَلَتِ الْخَوَارِجُ دَخَلُوا رَأْيًا وَهُمْ ستة ألف وَأَجْمَعُوا أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ. قَالَ: وَكَانَ لَا يَزَالُ يَجِيءُ إِنْسَانٌ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْقَوْمَ خَارِجُونَ عَلَيْكَ- يَعْنِي عَلِيًّا- فَيَقُولُ: دَعُوهُمْ فَإِنِّي لَا أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يُقَاتِلُونِي وَسَوْفَ يَفْعَلُونَ. فَلَمَّا كَانَ ذات يوم، أتيته قبل صلاة الظهر فقلت لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْنَا بِصَلَاةٍ لَعَلِّي أَدْخُلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأُكَلِّمَهُمْ. فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: كَلَّا وَكُنْتُ رَجُلًا حَسَنَ الخلق لا أوذي أَحَدًا، فَأَذِنَ لِي، فَلَبِسْتُ حُلَّةً مِنْ أَحْسَنِ مَا يَكُونُ مِنَ الْيَمَنِ، وَتَرَجَّلْتُ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ نِصْفَ النَّهَارِ، فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ قَوْمًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُمُ اجْتِهَادًا، جِبَاهُهُمْ قَرِحَتْ مِنَ السُّجُودِ، وَأَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا بَقَرُ الْإِبِلِ، وَعَلَيْهِمْ قمص مرحضة، مشمرين، مسهمة وجوههم مِنَ السَّهَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ.

فَقَالُوا: مَرْحَبًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أتيتكم من عند


[١] في الأصل «نشنشة» .
[٢] هو نجدة بن عامر الحنفي الخارجي (انظر تاريخ خليفة ٢٤٨ وابن سعد ٥/ ٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>