قال رسول الله (ص): "إن مما في صحف إبراهيم (س) ... ، وعلى العاقل أن يكون عارفا بزمانه، مقبلا على شأنه ممسكا للسانه"(١) الحديث، فمعرفة الزمان وأهله صعب، والكلام فيه متسع رحب، وفيه من الآفات الدنيوية، ما نسأل الله السلامة منه، ومن تحريك الآثار النفسانية، مما نرغب إلى الله في الخلو عنه، لا سيما ما يشتبه فيها الحق بالباطل، ويظهر المتحلي به كالعاطل، فإن النفوس تسرع لإنكاره، ولا يصح من المشفق على نفسه وجود إظهاره، لما يحرك من عقارب التعصب والإذاية، وما يوجبه من اشتداد ظلمة الغواية، لكن الحق أبلج، والباطل لجلج، والدين النصيحة، والسكوت في الحق فضيحة، فوجب أن نأتي من ذلك، بما هو الأهم، لشيوعه في الوقت، حماية لمن وقف عليه من أسباب البعد والمقت، فنذكر أمورا يدعي أهلها أنهم على طريقة السادة الصوفية، ويرون أنهم في ذلك على حالة سنية، من غير دليل واضح قاطع، ولا نور ظاهر ساطع، ويدعون إلى ذلك بحسب إمكانهم، ويمنعون مما سواه كافة إخوانهم، ويقولون: إن قبولهم ذلك من قوة إيمانهم، وتحقق إحسانهم، وإن ذلك هو عين الحقيقة، ومنهاج سلوك السبيل والطريقة، وإنما هي طريقة معوجة، وأمور ملبسة مروجة، يغتر بها الجاهل، فيتبع، ويحتج بها المتعصب، فيضل ويبدع، أعاذنا الله مما ابتلاهم به، وسلك بنا طريق الحق بفضله، وإنما يظهر الحق في ذلك بالتبصر، ويزول اللبس فيه ويذهب التستر، وهذا حين نشرع في المقصود وبالله التوفيق، فنقول:
(١) هو من كلام وهب بن منبه رواه عبد الرزاق في المصنف ١١/ ٢٢ قال: "من حكمة آل داود" وخرجه ابن حبان من حديث أبي ذر ٢/ ٧٨ وعزاه الزيلعي في تخريج الحديث والآثار ٢/ ٣٩٠ إلى الحاكم في المستدرك والطبراني في معجمه والبيهقي في شعب الإيمان، وفيه يحيى السعدي ضعيف. قال: وله طريق آخر رواه أحمد وإسحاق في مسنديهما، وفيه معان وعلي بن يزيد والقاسم ثلاثتهم ضعفاء. وفي إسناد ابن حبان إبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة، فالحديث ضعيف جدا حتى إن ابن الجوزي ذكره في الموضوعات واتهم به إبراهيم المذكور. الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ٢/ ٧٧ وتخريج الأحاديث والآثار ٢/ ٣٩.