اللطيفة الثانية: التنكير في قوله تعالى: {فَضْلاً} للتفخيم أي فضلاً عظيماً خصصناه به من بين سائر الأنبياء، وقوله:{مِنَّا} فيه إشارة إلى أن هذا الفضل هائل، لأنه صادر من الله تعالى مباشرةً تكريماً لنبيه داود، كما قال تعالى عن العبد الصالح:{وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً}[الكهف: ٦٥] .
قال أبو السعود: وتقديم داود على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم، والتشويق إلى المؤخر، فإنّ ما حقه التقديم إذا أُخّر، تبقى النفس مترقبة له، فإذا ورد يتمكن عندها فَضْل تمكن.
اللطيفة الثالثة: ذكر سليمان عليه السلام في القرآن الكريم ست عشرة مرة، ولم يجئ ذكره لتوفيه قصة بتمامها، وإنما هو لتعداد آلاء الله على سليمان، فمنها ذكاؤه وبصره النافذ في الحكم والقضاء {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث}[الأنبياء: ٧٨ - ٧٩] إلى قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}[الأنبياء: ٧٨ - ٧٩] ومنها تعليمه منطق الطير {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ ياأيها الناس عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير}[النمل: ١٦] ومنها إسالة عين القطر وهو النحاس المذاب، وفي القرآن إشارة إلى عملية صهر المعادن الصلبة {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر} ومنها تسخير الجن يعملون له ما يعجز عنه البشر {والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ}[ص: ٣٧] وقوله: {وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} وقد أعطاه الله الجاه الكبير، والسلطان الواسع، والملك العظيم الذي لم يُعطَه أحد بعده {قَالَ رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَاّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي}[ص: ٣٥] .
وكلّ هذا من الفضل الذي خصّ الله تبارك وتعالى به آل داود عليه السلام.
اللطيفة الرابعة: قال العلامة أبو السعود رَحِمَهُ اللَّهُ: قوله تعالى: {ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير} . «في تنزيل الجبال والطير منزلة العقلاء المخاطبين، المطيعين لأمره تعالى، المذعنين لحكمه، المشعر بأنه ما من حيوان وجماد