للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي صحيح البخاري عنه قال: «أيُّكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من ماله؟ قالوا: ما منا إلا مالُه أحبُّ إليه من مال وارثه. قال: فإن مالَه ما قدم، ومالُ وارثه ما أخر» (١).

فلا ينتفع العبد من ماله إلا بما قدمه لنفسه، وأنفقه في سبيل الله ﷿.

فأما ما أكله ولبسه، فإنه لا له ولا عليه، إلا أن يكون فيه نيةٌ صالحة، وقيل: بل يثاب عليه مطلقًا.

فأما ما أنفقه في المعاصي فهو عليه لا له، وكذلك ما أمسكه ولم يؤدّ حق الله ﷿ منه؛ فإنه يمثَّل له شجاعًا أقرع (٢)، يتبعه وهو يفرُّ منه، حتى يأخذَ بلهزمتيه (٣)، ويقول: أنا مالك! أنا كنزُك، ويلقمه يدَه فيقضمُها (٤) قضمَ الفحلِ (٥).

وإن كان المكنوز ذهبًا أو فضة جُعل صفائح، فأحمي عليها، ثم كوي بها جبينه وجبهته وجنبُه، فمن تحقق هذا، فليقدم لنفسه من ماله ما يحبُّ، فإنه إذا قدمه كان له وبين يديه، ينتفع به في دار الإقامة، وإذا خلفه كان لغيره لا له، وقد يكون هو ممن يحبسه عن النفقة في سبيل الله، فيراه يوم القيامة في ميزان غيره، فيتحسَّر على ذلك، فيدخل هو بماله النار، ويدخل وارثه به الجنة!


(١) أخرجه البخاري برقم (٦٤٤٢) عن ابن مسعود .
(٢) الشجاع الأقرع: فسر بحية بيضاء كريهة المنظر، كثيرة السم. ينظر: شرح مسلم للأبي (٣/ ٤٣٩).
(٣) بلهزمتيه: أي: بشدقيه، وفي الجامع: هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان، ينظر: فتح الباري لابن حجر (٣/ ٣١٨).
(٤) فيقضمها: يأكلها، ينظر: المصدر السابق.
(٥) أخرجه البخاري برقم (١٤٠٣)، ومسلم برقم (٩٨٧).

<<  <   >  >>