للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل: صاح طِيْطَوى (١) بحضرة سليمان فقال: تدرون ما يقول؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول: «كل حي ميت، وكل جديد بالٍ» (٢)، وقال: النسر يقول في صياحه: «يا ابن آدم اعمل ما شئت، آخرك الموت»).

ثم أرشد النبي إلى ما يجعل العبد عزيزًا شريفًا عند الله وعند الناس، فقيام الليل يجعله عزيزًا عند الله، والاستغناء عن الناس يجعله عزيزًا عند الناس، ولهذا قال حاتم لأحمد وقد سأله: ما السلامة من الدنيا وأهلها؟ قال: أن تغفر لهم جهلهم، وتمنع جهلك عنهم، وتبذل لهم ما في يدك، وتكون مما في أيديهم آيسًا.

قال الغزالي (٣): (ومن لا يؤثر عزَّ النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل، ناقص الإيمان، ففي القناعة العزُّ والحرية، ولذلك قيل: استغن عمن شئت فأنت نظيره، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره، وأحسن إلى من شئت فأنت أميره. وقال بعضهم: الفقر لباس الأحرار، والغنى بالله لباس الأبرار، والقيام انتصاب القامة.

ولما كانت هيئة الانتصاب أكمل هيآت من له القامةُ وأحسنها، استعير ذلك للمحافظة على استعمال الإنسان نفسَه في الصلاة ليلًا، فمعنى قيام الليل: المحافظة على الصلاة فيه، وعدم تعطيله باستغراقه بالنوم أو اللهو. قال الزمخشري : قام على الأمر: دام وثبت).


(١) طيطوى: طائر، على وزن نينوى. ينظر: تهذيب اللغة للهروي (١٤/ ٣٩). قيل:
لم يَصِحْ للبَيْن مِنْهُم صُرَدٌ … وغرابٌ لَا وَلَكِن طِيطَوَى
ينظر: تاج العروس للزبيدي (٣٦/ ٢٣٥).
(٢) ينظر: تفسير البغوي (٦/ ١٤٨)، وتفسير القرطبي (١٣/ ١٦٦).
(٣) ينظر: فيض القدير للمناوي (١/ ١٠٢).

<<  <   >  >>