للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البينونة، والحَمام من الحِمام ومن الحميم ومن الحُمَّى، وربما جعلوا الحبل من الوصال، والهدهد من الهدى، وغصن البان من بيان الطريق، والعُقاب من عقبى خير، ومثل هذا كثير عنهم، إذا غلب عليهم الإشفاق تطيروا وتشاءموا، وإذا غلب عليهم الرجاء والسرور تفاءلوا، وذلك مستعمل عندهم فيما يرون من الأشخاص، ويسمعون من الكلام، فقال لهم رسول الله : «لا طيرة»، ولا شؤم، فعرفهم أن ذلك إنما هو شيء من طريق الاتفاق، ليرفع عن المتوقع ما يتوقعه من ذلك كله، ويعلمه أن ذلك ليس يناله منه إلا ما كتب له).

وقوله: «ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة»:

قال ابن الجوزي (١): (هذا مثل أن يكون مريضًا فيسمع: يا سالم، فيتفاءل بالشفاء، وباغيًا شيئا فيسمع: يا واجد، فيتفاءل بوجوده. وقال الأزهري: الفأل فيما يحسن ظاهره ويرجى وقوعه بالخير. والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء.

واعلم أنه إنما صار الفأل خير أنواع هذا الباب لأنه يصدر عن نطق وبيان، فكأنه خيرٌ جاء من غيب.

فأما سنوح الطير وبروحها فتكلُّفٌ من المتطير ما لا أصل له في البيان، إذ ليس هناك نطق فيستدل به على معنى فيه).

وقال الخطابي (٢): (قد أعلم النبيُّ أن الفأل إنما هو أن يسمع الإنسانُ الكلمة الحسنة فيفأل بها، أي: يتبرك بها ويتأولها على المعنى الذي يطابق اسمَها، وأن الطيرة بخلافها، وإنما أخذت من اسم الطير، وذلك أن العرب كانت تتشاءم ببروح الطير، إذا كانوا في سفر أو مسير، ومنهم من كان


(١) ينظر: كشف المشكل لابن الجوزي (٣/ ٣٧٧).
(٢) ينظر: معالم السنن للخطابي (٣/ ٢٤٥)

<<  <   >  >>