للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يتأخر بالتصدق حتى يكون الموت منه قاب قوسين، لأنه يكون مغلولًا عن التصرف في كل ماله، إذ إن المريض لا يجوز له أن يتبرع إلا بثلث ماله فقط، وما زاد على ذلك يكون من حق الورثة، إن شاؤا أجازوا تصرفه، وإن شاؤا لم يجيزوه.

ويدل الحديث على أن تنجيز وفاء الدّين والصدقة في حال الصحة أفضل منه في حال المرض، لأنه في الأولى يصعب عليه إخراج المال غالبا؛ لما يخوفه الشيطان من الفقر، ويزين له من إمكان طول العمر والحاجة إلى المال، كما قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ [البقرة: ٢٦٨]، وقال: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المنافقون: ١٠] (١).

قال ابن الجوزي (٢): (اعلم أن المتصدق مخرج لمحبوبه عن يده، وهذا المحبوب معدٌّ للإنفاق في الأغراض، ومعظم الأغراض تكون في الصحة، فإذا كان أخرجه في المرض فقد بدت أمارات الاستغناء عن المال، فلا يلحق بدرجة المعطي في الصحة).

وقال ابن بطال (٣): (فيه: أن أعمال البر كلما صعبت كان أجرها أعظم، لأن الصحيح الشحيح إذا خشي الفقر، وأمِل الغنى صعُبت عليه النفقة، وسوَّل له الشيطان طول العمر، وحلول الفقر به، فمن تصدق في هذه الحال، فهو مؤثرٌ لثواب الله على هوى نفسه، وأما إذا تصدق عند خروج نفسه فيُخشى عليه الضرار بميراثه، والجور في فعله، ولذلك قال ميمون بن مهران حين قيل له: إن


(١) ينظر: الأدب النبوي لمحمد عبد العزيز الخولي (ص ١٢٨).
(٢) ينظر: كشف المشكل لابن الجوزي (٣/ ٤٧٥).
(٣) ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (٣/ ٤١٨).

<<  <   >  >>