للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلذلك شبه المؤمن بالزرع حيث كان الزرع حياة الأجساد، والإيمان حياة الأرواح.

وأما ثمر بعض الأشجار العظام كالصنوبر ونحوه، فليس له كبير نفع، وربما لا يتضرر بفقده.

فكذلك مثَّل الفاجر أو المنافق بهذه الشجرة لقلة نفع ثمرها.

ولما كانت الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فصاحب السجن لا يزال في بلاء حتى يخرج منه، فإذا خرج من السجن أفضى إلى الرخاء والنعيم الدائم، وصاحب الجنة إذا خرج منها وقع في السجن الدائم.

وإذا صُبغ أنعمُ الناس -كان في الدنيا- صبغةً في العذاب، فقيل له: هل مر بك نعيم قط؟ قال: لا يا رب. وإذا صبغ أبأس الناس -في النعيم صبغة، ثم قيل له: هل مر بك بؤس قط؟ قال: لا يا رب (١):

فما هي إلا ساعة ثم تنقضي … ويذهب هذا كلُّه ويزول

لا يجد أهل الجنة من ألم نصب الدنيا شيئًا، بل ينقلب راحة أبدًا:

جميع آلام لسعِ النحل يذهبها … ما يجتني المجتني من لذة العسل

من طمع في الوصول إلى المعالي؛ صبر على مواصلة نصب النهار بسهر الليالي.


(١) يشير إلى قوله : «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا، من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط». أخرجه مسلم برقم (٢٨٠٧)، عن أنس بن مالك .

<<  <   >  >>