للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصلح، والعمل بما يصلح، والثالث: الحلال أن يزهد فيه وهو تطوع، وهو أدناها (١).

وهذا قريب مما قبله، إلا أنه جعل الدرجة الأولى من الزهد الزهد في الرياء المنافي للإخلاص في القول والعمل، وهو الشرك الأصغر، والحامل عليه محبة المدح في الدنيا، والتقدم عند أهلها، وهو من نوع محبة العلو فيها والرياسة.

وقال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف (٢): فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة، فالزهد الفرض: الزهد في الحرام، والزهد الفضل: الزهد في الحلال، والزهد السلامة: الزهد في الشبهات).

مواقف الناس من الدنيا:

قال ابن رجب (٣): (وانقسم بنو آدم في الدنيا إلى قسمين:

أحدهما: من أنكر أن يكون للعباد بعد الدنيا دار للثواب والعقاب، وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس: ٧ - ٨]، وهؤلاء همهم التمتع بالدنيا، واغتنام لذاتها قبل الموت، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد: ١٢].

ومن هؤلاء من كان يأمر بالزهد في الدنيا، لأنه يرى أن الاستكثار منها موجب الهم والغم، ويقول: كلما كثر التعلق بها، تألمت النفس بمفارقتها عند الموت، فكان هذا غاية زهدهم في الدنيا.


(١) ينظر: الزهد لابن أبي الدنيا برقم (٤٩٣)، وقوت القلوب لابن عطية (١/ ٤٤٥).
(٢) ينظر: شعب الإيمان (١٣/ ٢٥٢)، وحلية الأولياء لأبي نعيم (٨/ ٢٦)، والزهد لابن أبي الدنيا برقم (١٢٥).
(٣) ينظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (٢/ ١٨٧) باختصار.

<<  <   >  >>