تَسْلِيمِهِ جَوَازُ الثَّانِي، حَتَّى يُنْسَبَ إِلَى الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ الْقَوْلُ بِجَوَازِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَكِتَابَتِهِ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَيْفَ ذَلِكَ وَقَدْ أَجْمَعَتْ كُتُبُهُمْ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا كَمَا أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (٧٣: ٢٠) وَالْقُرْآنُ الْمَعْرُوفُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ خَاصَّةً.
وَفِي شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ لِلْإِمَامِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْبُخَارِيِّ الْحَنَفِيِّ:
الْقُرْآنُ اسْمٌ لِلنَّظْمِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ النَّظْمَ رُكْنًا لَازِمًا فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأُخْرَى، كَوُجُوبِ الِاعْتِقَادِ، وَحُرْمَةِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَحُرْمَةِ الْمُدَاوَمَةِ وَالِاعْتِيَادِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهَا اهـ.
وَقَدْ نُقِلَ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا إِلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْفَارِسِيَّةِ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ النَّظْمُ رُكْنًا لَازِمًا عِنْدَهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْآلُوسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (٢٦: ١٩٦) بِنَاءً عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَى الْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: تَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِالْفَارِسِيَّةِ ; لِأَنَّهَا أَشْرَفُ اللُّغَاتِ بَعْدَ الْعَرَبِيَّةِ، وَفِي أُخْرَى إِنَّهَا إِنَّمَا تَجُوزُ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ لِلْعَاجِزِ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ صَحَّحَ رُجُوعَهُ عَنِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا جَمْعٌ مِنَ الثِّقَاتِ الْمُحَقِّقِينَ ; لِضَعْفِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْقُرْآنِ بِتَقْدِيمِ مُضَافٍ، أَيْ وَإِنَّ ذِكْرَ الْقُرْآنِ لَفِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ إِنْ فَلَانَا فِي دَفْتَرِ الْأَمِيرِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ مَا فِي اسْتِدْلَالِ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِأَيِّ لُغَةٍ خَارِجِ الصَّلَاةِ وَدَاخِلِهَا لِلْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ ; لِأَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ التَّخْصِيصِ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا، وَعَلَى رِوَايَةِ رُجُوعِهِ إِلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ لَا تَجُوزُ خَارِجَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَلَا لِلْقَادِرِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الثِّقَاتِ عَنْهُ: لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِلْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ رَأْيُهُ الْأَخِيرِ الَّذِي صَحَّ إِلَيْهِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْجَمَاعَةِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا؟ اهـ (ص٣١ - ٣٦) ثُمَّ قَالَ فِي فَصْلٍ آخَرَ (ص٣٩) : " وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا، وَفِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ مِنْ أَئِمَّةِ
الشَّافِعِيَّةِ - وَقَدْ سُئِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute