كَثِيرَةٌ، فَهُوَ مَحْظُورٌ لَا يُبِيحُهُ الْإِسْلَامُ ; لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى التَّرْجَمَةُ قُرْآنًا وَلَا كِتَابَ اللهِ، وَلَا أَنْ يُسْنَدَ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَيْهِ تَعَالَى فَيُقَالُ قَالَ: اللهُ كَذَا ; لِأَنَّ كِتَابَ اللهِ وَقُرْآنَهُ عَرَبِيٌّ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَالْإِجْمَاعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ سَلَفِ أَهْلِ الْمِلَّةِ كُلِّهِمْ وَخَلَفِهِمْ لَا الْإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ; وَلِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ خَصَائِصِ الْقُرْآنِ اللَّفْظِيَّةِ وَلَا الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْإِعْجَازِ، وَهِيَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُخَالِفَةً لَهُ فِي الْمَعْنَى كَمُخَالَفَتِهَا فِي اللَّفْظِ، فَإِسْنَادُهَا إِلَيْهِ تَعَالَى كَذِبٌ عَلَيْهِ وَكُفْرٌ بِكِتَابِهِ. بَلْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِبْدَالُ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْمُصْحَفِ بِلَفْظٍ آخَرَ يُرَادِفُهُ مِنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ كَكَلِمَتِي " شَكٍّ، وَرَيْبٍ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ (٢: ٢) وَأَمَّا التَّرْجَمَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْسِيرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرِهِ مِنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَغَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَإِنَّمَا تُتَّبَعُ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الشَّرْعِيَّةُ بِقَدْرِهَا.
(أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ)
تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتُهُ وَكِتَابَتُهُ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ
الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَلَا قِرَاءَتُهُ وَلَا تَرْجَمَتُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا، إِلَّا فِيمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِهِ مِنْ جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ، وَإِلَيْكَ بَعْضُ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ: قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرْغِينَانِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي التَّجْنِيسِ: وَيُمْنَعُ مِنْ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَالِ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ ; لِأَنَّا أُمِرْنَا بِحِفْظِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَإِنَّهُ دَلَالَةٌ عَلَى النُّبُوَّةِ ; وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّهَاوُنِ بِأَمْرِ الْقُرْآنِ اهـ.
وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: مَنْ تَعَمَّدَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَوْ كِتَابَتَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَهُوَ
مَجْنُونٌ أَوْ زِنْدِيقٌ وَالْمَجْنُونُ يُدَاوَى، وَالزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ اهـ.
وَفِي الدِّرَايَةِ: إِنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلنَّظْمِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ أُنْزِلَ حُجَّةً عَلَى النُّبُوَّةِ وَعَلَمًا عَلَى الْهُدَى، وَالْهُدَى بِمَعْنَاهُ، وَالْحُجَّةُ بِنَظْمِهِ. وَكَمَا أَنَّ الْإِخْلَالَ بِالْمَعْنَى يُسْقِطُ حُكْمَ الْقِرَاءَةِ كَذَلِكَ الْإِخْلَالُ بِالنَّظْمِ، وَلِأَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ ; لِيُكُونَ حُجَّةً عَلَى الْحُكْمِ وَلَا قِرَاءَةَ تَجِبُ إِلَّا فِي الصَّلَاةِ، فَعُلِمَ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِ مَا أُنْزِلَ لِيَقَعَ الْحِفْظُ بِهَا اهـ.
وَرَوِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: جَوَازُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَعَنِ الصَّاحِبَيْنِ: إِذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، أَمَّا إِذَا كَانَ يُحْسِنُهَا فَلَا يَجُوزُ، وَتَفْسَدُ صَلَاتُهُ إِذَا قَرَأَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: رُجُوعُ الْإِمَامِ إِلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ - وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute