للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّلَامُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِصْدَاقُ هَذَا الْخَبَرِ بَنِي عِيسُو عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى دُعَاءِ إِسْحَاقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ.

وَلِعُلَمَاءِ بُرُوتُسْتَنْتْ اعْتِرَاضَانِ نَقَلَهُمَا صَاحِبُ الْمِيزَانِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِحَلِّ الْإِشْكَالِ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْسَارِ. (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْآيَةِ ١٥ مِنَ الْبَابِ ١٨ مِنْ سِفْرِ الِاسْتِثْنَاءِ (التَّثْنِيَةِ) هَكَذَا (فَإِنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ يُقِيمُ مِنْ بَيْنِكَ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِكَ) إِلَخْ. فَلَفْظُ " مِنْ بَيْنِكَ " يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ يَكُونُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ. (وَالثَّانِي) أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَسَبَ هَذِهِ الْبِشَارَةَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ فِي الْآيَةِ ٤٦ مِنَ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا (أَنَّ مُوسَى كَتَبَ فِي حَقِّي) .

(أَقُولُ) : آيَةُ التَّثْنِيَةِ عَلَى وَفْقِ التَّرَاجِمِ الْفَارِسِيَّةِ وَتَرَاجِمِ أُرْدُو هَكَذَا (فَإِنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ يُقِيمُ مِنْ بَيْنِكَ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِكَ نَبِيًّا مِثْلِي فَاسْمَعْ مِنْهُ) وَالْقِسِّيسُ أَيْضًا نَقَلَهَا هَكَذَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَا يُنَافِي مَقْصُودَنَا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبِهَا تَكَامَلَ أَمْرُهُ قَدْ كَانَ حَوْلَهُ بِلَادُ الْيَهُودِ كَخَيْبَرَ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ وَالنَّضِيرِ وَغَيْرِهِمْ فَقَدْ قَامَ مِنْ بَيْنِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ إِخْوَتِهِمْ فَقَدْ قَامَ مِنْ بَيْنِهِمْ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ

" مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِكَ " بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ " مِنْ بَيْنِكَ " بَدَلُ اشْتِمَالٍ عَلَى رَأْيِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمُتَّبِعِيهِ الْقَائِلِينَ بِكِفَايَةِ عَلَاقَةِ الْمُلَابَسَةِ غَيْرِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ فِي تَحَقُّقِ هَذَا الْبَدَلِ، نَحْوَ جَاءَنِي زَيْدٌ أَخُوهُ، وَجَاءَنِي زَيْدٌ غُلَامُهُ، وَبَدْلُ إِضْرَابٍ عَلَى رَأْيِ ابْنِ مَالِكٍ، وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَعَادَ هَذَا الْوَعْدَ مِنْ كَلَامِ اللهِ فِي الْآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ لَفْظُ " مِنْ بَيْنِكَ "، وَنَقَلَ بُطْرُسُ الْحَوَارِيُّ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلَ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ كَمَا عَلِمْتَ فِي الْوَجْهِ السَّابِعِ، وَكَذَا نَقَلَهُ استفانوس أَيْضًا وَلَمْ يُوجَدْ فِي نَقْلِهِ أَيْضًا هَذَا اللَّفْظُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْأَعْمَالِ وَعِبَارَتِهِ هَكَذَا: (هَذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ لَهُ تَسْمَعُونَ) فَسُقُوطُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَاحْتِمَالُ الْبَدَلِ قَوِيٌّ جِدًّا.

وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِفْسَارِ: إِنَّ لَفْظَ مِنْ بَيْنِكَ إِلْحَاقِيٌّ زِيدَ تَحْرِيفًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْمُخَاطِبِينَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ كَانُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّهُمْ لَا الْبَعْضَ، فَقَوْلُهُ: مِنْ بَيْنِكَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْقَوْمِ، فَصَارَ لَفْظٌ مِنْ إِخْوَتِكَ لَغْوًا مَحْضًا لَا مَعْنَى لَهُ، لَكِنَّ لَفْظَ مِنْ إِخْوَتِكَ جَاءَ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ أَيْضًا، فَيَكُونُ صَحِيحًا، وَلَفْظُ مِنْ بَيْنِكَ إِلْحَاقِيًّا زِيدَ تَحْرِيفًا (الثَّانِي) أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا نَقَلَ كَلَامَ اللهِ لِإِثْبَاتِ قَوْلِهِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ مُوسَى مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ اللهُ - (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ كُلَّمَا نَقَلُوا هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ لَفْظُ " مِنْ بَيْنِكَ ". وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْمُحَرِّفَ إِذَا حَرَّفَ فَلَمْ يُحَرِّفِ الْكَلَامَ كُلَّهُ؟ (قُلْتُ) :

<<  <  ج: ص:  >  >>