أَنَّهَا مَا لَمْ تُقْصَدْ ذَكَاتُهَا ; لِأَنَّ الْقَصْدَ إِلَى الذَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهُ، مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ، حَتَّى لَوْ قَطَعَ رَقَبَةَ الْحَيَوَانِ بِقَصْدِ تَجْرِيبِ السَّيْفِ أَوِ اللُّعَبِ، لَا يَحِلُّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَيْتَةَ الْمَذْكُورَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكِتَابِيِّ هِيَ الْمَيْتَةُ عِنْدَهُ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْ ذَكَاتَهَا، لَا الْمَيْتَةُ عِنْدَنَا، وَيَتَبَيَّنُ مِنْهُ - أَيْضًا - أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ لِلْفُقَهَاءِ فِي الذَّبَائِحِ وَالذَّكَاةِ إِنَّمَا هِيَ بَيَانُ مَا يَلْزَمُ فِي الْإِسْلَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ لَا لِغَيْرِهِ. انْتَهَى.
(مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ مِنَ الْأُمِّ، مَا نَصُّهُ: (١) أَحَلَّ اللهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ طَعَامُهُمْ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ حَفِظْتُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: ذَبَائِحَهُمْ، وَكَانَتِ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى إِحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ ذَبَائِحُهُمْ يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ - تَعَالَى - فَهِيَ حَلَالٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ آخَرُ يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللهِ - تَعَالَى - مِثْلَ اسْمِ الْمَسِيحِ، أَوْ يَذْبَحُونَهُ بِاسْمٍ دُونَ اللهِ - تَعَالَى - لَمْ يَحِلَّ هَذَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، وَلَا أُثْبِتُ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ صِنْفَانِ، وَقَدْ أُبِيحَتْ مُطْلَقَةً؟ قِيلَ: قَدْ يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ، فَإِذَا زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِنْ نَسِيَ اسْمَ اللهِ - تَعَالَى - أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ، وَهُوَ لَا يَدَعُهُ لِلشِّرْكِ، كَانَ مَنْ يَدَعُهُ عَلَى الشِّرْكِ أَوْلَى أَنْ تُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ، وَقَدْ أَحَلَّ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لُحُومَ الْبُدُنِ (الْإِبِلِ) مُطْلَقَةً، فَقَالَ: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا (٢٢: ٣٦) أَيْ إِذَا سَقَطَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا، وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنَ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ نَذْرٌ، وَلَا جَزَاءُ صَيْدٍ، وَلَا فِدْيَةٌ. فَلَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذَهَبْنَا إِلَيْهِ وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ، لَا أَنَّهَا
خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ، وَمَعْقُولٌ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، لِأَنَّا إِذَا جَعَلْنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ نَجْعَلْ عَلَيْهِ الْكُلَّ، إِنَّمَا جَعَلْنَا عَلَيْهِ الْبَعْضَ الَّذِي أَعْطَى، فَهَكَذَا ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى شَبِيهِ مَا قُلْنَا. انْتَهَى بِحُرُوفِهِ (ص ١٩٦ ج ٢ مِنَ الْأُمِّ) .
أَقُولُ: إِنَّهُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - حَرَّمَ مَا ذَكَرُوا اسْمَ غَيْرِ اللهِ عَلَيْهِ، بِأَقْيِسَةٍ عَلَى مَسَائِلَ خِلَافِيَّةٍ جَعَلَهَا نَظِيرًا لِلْمَسْأَلَةِ، وَقَيَّدَ بِهَا إِطْلَاقَ الْقُرْآنِ، وَمُخَالِفُوهُ فِي ذَلِكَ - كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ - لَا يُجِيزُونَ تَخْصِيصَ الْآيَةِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ الَّتِي غَايَةُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ تَخْصِيصَ الْقُرْآنِ جَائِزٌ بِالدَّلِيلِ، وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي يَتْرُكُ التَّسْمِيَةَ تَهَاوُنًا وَاسْتِخْفَافًا، لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَإِذَا سَلَّمْنَاهُ جَدَلًا، نَمْنَعُ قِيَاسَ الْكِتَابِيِّ عَلَيْهِ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَا مَحَلَّ هُنَا لِبَيَانِ الْمَنْعِ بِالتَّفْصِيلِ فِي هَذَا الْقِيَاسِ وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ، وَالظَّاهِرُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ نُصُوصِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ أَنَّ مَا ذَبَحُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute