للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلتَّعْلِيلِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَحَتَّى فِي الْجُمْلَةِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لِفَهْمِ مَا يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا جُنُبًا، عَطَفَ فِيهِ قَوْلَهُ: وَلَا جُنُبًا، عَلَى قَوْلِهِ: وَأَنْتُمْ سُكَارَى، وَالْمَعْنَى لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ سُكَارَى وَلَا جُنُبًا، فَجُمْلَةُ وَأَنْتُمْ سُكَارَى، حَالِيَّةٌ فَهِيَ فِي حَيِّزِ النَّصْبِ، وَفَرَّقَ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ بَيْنَ الْحَالِ الْمُفْرَدَةِ، وَالْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ، فَمَعْنَى جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا، أَنَّ الرُّكُوبَ كَانَ وَصْفًا لَهُ حَالَ الْمَجِيءِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْمَجِيءِ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِهِ، وَمَعْنَى جَاءَ وَهُوَ رَاكِبٌ أَنَّ الرُّكُوبَ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَالِ تَلَبُّسِهِ بِهِ، وَقَدْ تَكُونُ الْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ غَيْرَ وَصْفٍ لِذِي الْحَالِ كَقَوْلِكَ: جَاءَ وَالشَّمْسُ طَالِعَةً، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ مَضْمُونُهَا فِعْلَ ذِي الْحَالِ الَّذِي جُعِلَتْ قَيْدًا لَهُ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ، وَأَمَّا الْحَالُ الْمُفْرَدَةُ، فَيُعْتَبَرُ فِيهَا مُقَارَنَةُ فِعْلِ ذِي الْحَالِ ; وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ صَائِمًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رَمَضَانَ، وَمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ وَأَنَا صَائِمٌ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ، بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رَمَضَانَ ; لِأَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِفِعْلِ ذِي الْحَالِ كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ الْمُفْرَدَةِ، هَذَا وَإِنِّي لَا أَذْكُرُ أَنِّي رَأَيْتُ لِلْمُفَسِّرِينَ بَيَانًا لِنُكْتَةِ اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَلِمَ لَمْ يَقُلْ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ سُكَارَى وَلَا جُنُبًا، أَوْ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ، وَأَنْتُمْ سُكَارَى وَلَا وَأَنْتُمْ جُنُبٌ، أَوْ يَجْعَلِ الْأُولَى مُفْرَدَةً وَالثَّانِيَةَ جُمْلَةً؟ وَهَلْ يَقَعُ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي تَعْبِيرِ الْقُرْآنِ اتِّفَاقًا، أَوْ

لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ؟ كَلَّا إِنَّ النُّكْتَةَ ظَاهِرَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ كَانَتِ اللُّغَةُ مَلَكَةً لَهُ، وَقَدْ تَخْفَى عَمَّنْ تَكُونُ صِنَاعَةً عِنْدَهُ لَا يَفْهَمُ دَقَائِقَ نُكَتِهَا إِلَّا عِنْدَ تَذَكُّرِ الْقَوَاعِدِ الصِّنَاعِيَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهَا وَتُدَبِّرُهَا، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ الْمَلَكَةُ وَالصِّنَاعَةُ قَدْ يَفْهَمُ الْمُرَادَ فِي الْجُمْلَةِ وَيَغْفُلُ عَنْ إِيضَاحِهَا بِالْقَوَاعِدِ الصِّنَاعِيَّةِ، إِنَّ التَّعْبِيرَ بِجُمْلَةِ وَأَنْتُمْ سُكَارَى يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنِ السُّكْرِ الَّذِي يُخْشَى أَنْ يَمْتَدَّ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ فَيُفْضِيَ إِلَى أَدَائِهَا فِي أَثْنَائِهِ، فَالْمَعْنَى: احْذَرُوا أَنْ يَكُونَ السُّكْرُ وَصْفًا لَكُمْ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَتُصَلُّوا وَأَنْتُمْ سُكَارَى، فَامْتِثَالُ هَذَا النَّهْيِ إِنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِ السُّكْرِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ، بَلْ وَفِيمَا يَقْرُبُ مِنْ وَقْتِهَا، وَلَيْسَ الْمَعْنَى: لَا تُصَلُّوا حَالَ كَوْنِكُمْ سُكَارَى، وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ الِاعْتِرَاضُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَرِدُ لَوْ قَالَ تَعَالَى: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ سُكَارَى أَوْ يُقَالُ فِي دَفْعِهِ هَذَا، وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ مِنْ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ فِي مَعْنَى هَذَا، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَةِ وَمَدْلُولِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ، وَإِنَّمَا فَهِمْنَا مِنْهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَوَقُّفِ الِامْتِثَالِ عَلَى اجْتِنَابِ السُّكْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ، وَأَمَّا نَهْيُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ جُنُبًا فَلَا يَتَضَمَّنُ نَهْيَهُمْ عَنِ الْجَنَابَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ: وَأَنْتُمْ جُنُبٌ، فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>