يجيزونها مقيدة بما كان منها موصلاً إلى حق، أو دافعًا لظلم، فهي إذن من الحيل المباحة.
وقد ذكر ابن القيم من أمثلة الحيل المباحة سبعة عشر ومائة مثال (١).
ومن هذه الأمثلة ما نقله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي " مَسَائِلِهِ ": «سَأَلْت أَبِي عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُجَامِعْك اليَوْمَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ اغْتَسَلْتُ مِنْكِ اليَوْمَ "، فَقَالَ: " يُصَلِّي العَصْرَ ثُمَّ يُجَامِعُهَا، فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " اغْتَسَلْتُ " - المُجَامَعَةَ "».
ومن الأمثلة التي نقلها عن أبي حنيفة، «أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: " نَزَلَ بِي اللُّصُوصُ؛ فَأَخَذُوا مَالِي وَاسْتَحْلَفُونِي بِالطَّلَاقِ أَلَّا أُخْبِرَ أَحَدًا بِهِمْ؛ فَخَرَجْتُ فَرَأَيْتُهُمْ يَبِيعُونَ مَتَاعِي فِي السُّوقِ جَهْرَةً "، فَقَالَ لَهُ: " اذْهَبْ إلَى الوَالِي فَقُلْ لَهُ يَجْمَعُ أَهْلَ المَحَلَّةِ [أَوْ السِّكَّةِ] الَّذِينَ هُمْ [فِيهِ، ثُمَّ يُحْضِرُهُمْ]، ثُمَّ يَسْأَلُك عَنْهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا؛ فَإِذَا سَأَلَك عَمَّنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَقُلْ: " لَيْسَ مِنْهُمْ "، وَإِذَا سَأَلَك عَمَّنْ هُوَ مِنْهُمْ فَاسْكُتْ؛ فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَأَخَذَ الْوَالِي مَتَاعَهُ مِنْهُمْ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ».
ومما ذكره عن أبي حنيفة أنه «أَتَاهُ أَخَوَانِ قَدْ تَزَوَّجَا بِأُخْتَيْنِ، فَزُفَّتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُمَا إلَى زَوْجِ أُخْتِهَا، فَدَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ عَلِمَا الحَالَ لَمَّا أَصْبَحَا، [فَذَكَرَا] لَهُ ذَلِكَ، وَسَأَلَاهُ المَخْرَجَ، فَقَالَ لَهُمَا: " كُلٌّ مِنْكُمَا رَاضٍ بِالتِي دَخَلَ بِهَا؟ " فَقَالَا: " نَعَمْ "، فَقَالَ: " لِيُطَلِّقْ كُلٌّ مِنْكُمَا امْرَأَتَهُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً ". فَفَعَلَا، فَقَالَ: " لِيَعْقِدْ كُلٌّ مِنْكُمَا عَلَى المَرْأَةِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا "، فَفَعَلَا، فَقَالَ: " لِيَمْضِ كُلٌّ مِنْكُمَا إلَى أَهْلِهِ "».
قال ابن القيم: «وَهَذِهِ الحِيلَةُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ التِي دَخَلَ بِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُصَانُ مَاؤُهُ عَنْ مَائِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِالتِي طَلَّقَهَا فَالوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْهُ،
(١) انظر " إعلام الموقعين ": ٣/ ٢٥٤، ٣٣٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute