للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١]، وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِالْعَقْلِ الَّذِي بِهِ عَلِمْنَا الأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ مَعْدُودٍ فَهُوَ ثُلُثٌ وَثُلُثَانِ فَإِذَا كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَقَطُّ، وَهِيَ وَالأَبُ وَارِثَانِ فَقَطُّ فَالثُّلُثَانِ لِلْأَبِ. وَهَذَا عِلْمٌ ضَرُورِيِّ لَا مَحِيدَ عَنْه لِلْعَقْلِ وَوَجَدْنَا ذَلِكَ مَنْصُوصًا عَلَى الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اللَّفْظِ. وَمِثْلُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّ دَمَ زَيْدٍ حَرَامٌ [لِإِسْلَامِهِ] ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ حَلَّ دَمُهُ. فَقُلْنَا: قَدْ تَيَقَّنَّا بِالنَّصِّ وُجُوبُ الطَّاعَةِ لِلْإِجْمَاعِ، وَقَدْ صَحَّ نَقْلُ الإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ دَمَهُ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ لَنَا خِلَافَ ذَلِكَ إِلَّا بِنَصٍّ مَنْقُولٍ بِالثِّقَاتِ أَوْ بِتَوَاتُرٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ نَاقِلٍ لَنَا، فَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَى مَعْنَاهُ، وَمِثْلُ أَنْ يَدَّعِي زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو بِمَالٍ فَنَقُولُ: إِنَّ اللَهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى إِيجَابِ اليَمِينِ عَلَى عَمْرٍو لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِإِيجَابِ اليَمِينِ عَلَى مَنْ ادُّعِيَ عَلَيْهِ، وَعَمْرٌو مُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ أَوْجَبَ النَّصُّ اليَمِينَ عَلَى عَمْرٍو. فَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الدِّيَانَةِ أَصْلاً إِلَّا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الوُجُوهِ الأَرْبَعَةِ وَهِيَ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى النَّصِّ» (١).

وقد جعل ابن حزم النص مرادفًا للظاهر، فقال: «وَالنَّصُّ: هُوَ اللَّفْظُ الوَارِدُ فِي القُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ، المُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُكْمِ الأَشْيَاءِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ نَفْسُهُ» (٢).

وقد سبق أن ذكرنا أن أهل الظاهر يلتزمون بمذهب المحدثين في اعتبارهم القرآن والسنة في مرتبة واحدة، هي مرتبة النصوص. فنصوص القرآن والسنة يكمل بعضها بعضًا، ويضاف بعضها إلى بعض، سواء من حيث التأكيد أو البيان أو التأسيس، ولذلك كان للسنة أن تخصص عام القرآن


(١) " الإحكام ": ١/ ٦٨، ٦٩، وانظر ١/ ٧١.
(٢) " الإحكام ": ١/ ٤٢.

<<  <   >  >>