للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل أبرز مثال لذلك ينبئ عما وراءه، هو ما روي عنه في (الإيلاء) وهو في اللغة الحلف والقسم واليمين، ولكن معناه الفقهي مختلف فيه، لاختلافهم فيما يكون به المرء موليًا:

(أ) هل هو الحلف ألا يجامع الزوج زوجته على وجه الضرر والغضب؟

(ب) أو هو كل يمين حالت دون الجماع، دون فرق بين الرضا والغضب؟.

(ج) أو هو كل يمين يؤدي إلى الإضرار بالزوجة، سواء أكانت اليمين على ترك الجماع أو على عدم الكلام معها مثلاً؟

وقد التقت الأقوال الثلاثة السابقة حول ضرورة اليمين في اعتبار الإيلاء، فهي من أهم شروطه.

(د) أما الرأي الرابع فهو رأي ابن عمر، فقد ذهب إلى أن الزوج إذا هجر زوجته فهو إيلاء، ولو لم يذكر الحلف، ولو لم يكن هناك قسم: قال الجصاص تعليقًا على رأي ابن عمر: «وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَنَّ الهِجْرَانَ يُوجِبُ الطَّلاَقَ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ شَاذٌّ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا حَلَفَ ثُمَّ هَجَرَهَا مُدَّةَ الإِيلاَءِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ خِلاَفُ الكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] وَالأَلِيَّةُ اليَمِينُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهِجْرَانُهَا لَيْسَ بِيَمِينٍ، فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الكَفَّارَةِ» (١).

ولا شك أن ابن عمر قد علم أن الإيلاء معناه اليمين، إذ هو عربي يفهم ألفاظ القرآن ويحتج بفهمه ولغته وقد احتج الجصاص بفهم ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ} [البقرة: ٢٢٧]، حيث قال: «عَزِيمَةُ الطَّلاَقِ انْقِضَاءُ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ» قبل الفيء إليها. «لأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ شَرْعًا أَوْ لُغَةً، وَأَيُّ الْوَجْهَيْنِ كَانَ فَحُجَّتُهُ ثَابِتَةٌ» (٢).


(١) " أحكام القرآن " للجصاص ": ١/ ٣٥٦، ٣٦٠.
(٢) (*)

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) لم يذكر المؤلف المصدر في الكتاب المطبوع وإنما أشار إلى الترقيم (٢)، وتبين أنه المصدر السابق.
انظر " أحكام القرآن " للجصاص "، تحقيق محمد صادق قمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف: ٢/ ٥٠، طبعة سنة ١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م، نشر دار إحياء التراث العربي - بيروت
وانظر أيضًا " أحكام القرآن " للجصاص " تحقيق عبد السلام محمد علي شاهين: ١/ ٤٣٦، الطبعة الأولى: ١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م، نشر دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان.

<<  <   >  >>