بِي عَلَيْكَ) ، فَقَالَ خَالِدٌ: (هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ يُقَالُ لَهُ أَبْجَرُ بْنُ بُجَيْرٍ، غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَقَدْ كُنْتُ عَزَمْتُ عَلَى قَتْلِهِ، وَطَلَبَ مِنِّي التَّأْخِيرَ حَتَّى يَرَى رَأْيَهُ، وَقَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِ الإِسْلامِ وَلا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ) ، فَقَالَ الْمُثَنَّى: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنْ رَأَيْتُ أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فِي وَقْتِهِ هَذَا، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ فَأَنا كَفِيلُهُ أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكَ فَتَحْكُمَ فِيهِ بِمَا تُحِبُّ) .
قَالَ: فَأَخْرَجَهُ خَالِدٌ وَقَالَ: (يَا عَدُوَّ اللَّهِ، لَوْلا شَفَاعَةُ هَذَا الأَمِيرِ لَمَا أَفْلَتَّ إِلا مُسْلِمًا أَوْ مَقْتُولا) ، قَالَ: فَقَالَ أَبْجَرُ: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَوْ علمت أن دينه خير من ديني لا تبعته) . فَزَبَرَهُ خَالِدٌ وَطَرَدَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ نَادَى فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، ثُمَّ رَحَلَ وَمَعَهُ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ مِنَ النّبَاجِ يُرِيدُ الْكُوفَةَ.
قَالَ: وَسَمِعَتِ الأَعَاجِمُ بِمَسِيرِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَا قِبَلَهُمْ فِي جَيْشِهِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ قَدْ صَارَ مَعَهُ، فَأَلْقَى اللَّهُ الْخَوْفَ وَالرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَجَعَلُوا يُنَقَّلُونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَيَرْتَفِعُونَ، حَتَّى صَارَ خَالِدٌ إِلَى أَرْضِ الْكُوفَةِ وَنَزَلَهَا، وَنَزَلَتْ مَعَهُ قَبَائِلُ رَبِيعَةَ مَعَ صَاحِبِهِمُ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا كَتَبَ إِلَى جَمِيعِ مُلُوكِ الْفُرْسِ بِنُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ [١] :
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَرَازِبَةِ الْفُرْسِ أَجْمَعِينَ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَالْحَمْدُ للَّه الَّذِي فَضَّ جَمْعَكُمْ، وَهَدَمَ عِزَّكُمْ، وَأَوْهَنَ كَيْدَكُمْ، وَكَسَرَ شَوْكَتَكُمْ، وَفَلَّ حَدَّكُمْ، وَشَتَّتَ كَلِمَتَكُمْ، اعْلَمُوا أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَتَحَرَّفَ إِلَى قِبْلَتِنَا، وَأَكَلَ مِنْ ذَبِيحَتِنَا، وَشَهِدَ شَهَادَتَنَا، وَآمَنَ بِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنَحْنُ مِنْهُ وَهُوَ مِنَّا، وَهُوَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ مَا لَنَا، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَّهْتُ كِتَابِي هَذَا إِلَيْكُمْ، نَذِيرًا وَمُحَذِّرًا، فَابْعَثُوا إِلَيَّ الرَّهَائِنَ، وَاعْتَقِدُوا مِنِّي الذِّمَّةَ، وَأَدَاءَ الْجِزْيَةِ، وَإِلا فَإِنِّي سَائِرٌ إِلَيْكُمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ الْحَيَاةَ، وَقَدْ أَعْذَرَ مَنْ أنذر، والسلام) .
[١] انظر الرسالة مع خلاف في اللفظ واختصار في كتاب الفتوح ١/ ٧٧، والطبري ٣/ ٣٤٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute