للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واستخلف ابنه شالخ (١)، فولي شالخ الإمرة بحسن السيرة والعدل مائتي سنة، ثم توفي واستخلف ابن أخيه جم بن نوجهان بن أرفخشد، قالوا: وفي أيامه تبلبلت الألسن، هذه (٢) قصة نوحٍ بفاتحتها وخاتمتها على الإجمال والإيجاز، وقيل: إن الطوفان كان مختصًا بأرض العراق والجزيرة والحجاز، والمراد بالأرض في قوله: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ} [نوح: ٢٦] هذه البلاد دون غيرها من البلدان (٣).

{لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ} أي لم يعرض في هذا المعنى كما يقال ما بي داء، وما بي آفة، ونصحته ونصحت له (٤)، بمعنى أعلم من الله من أمرهِ وحكمهِ.

{أَوَعَجِبْتُمْ} ألف استفهام دخلت على واو العطف، والتقدير: أكفرتم وعجبتم، والعجب استبعاد وجه جواز الشيء وإمكانه على سبيل اعتبار العادة، وإنما توجه عليهم الإنكار لمعنيين: يخطيء آدم وشيت وإدريس -عليهم السلام- من قبل، ولأن إجراء العادة على سننها غير واجب على الله سبحانه وتعالى.


(١) في كل النسخ (سالح) والمثبت من "أ".
(٢) في "ب": (قالوا: هذه) وفي الأصل "أ": (الألسن قصة).
(٣) ظاهر الآية أن نوحًا طلب إهلاك من على الأرض جميعًا، وليس من عادة الأنبياء أن يدعوا على قومهم بالهلاك بل يصبروا عليهم، والجواب على ذلك هو أن نوحًا لم يدع على قومه إلا بعد أن تحدوه وشى منهم. أما تحديهم له ففي قوله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} [هود: ٣٢]، وقوله: {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠)} [القمر: ٩، ١٠]. وأما يأسه منهم ففي قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦] وأما الذرية فقال الله عنهم: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٧] وليس بعد صبر الألف سنة إلا خمسين عامًا من صبر، بعد كل ذلك توجه إلى الله بالدعاء عليهم. وأما قول الله تعالى لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: ١٢٨] عندما دعا على قومه فهذا في علم الله أنه سيؤمن من قومه ممن دعا عليهم من المشركين ولذا آمن وأسلم من كفار قريش وبعض أعيانهم عدد ليس بالقليل.
(٤) في الأصل "أ": (آية).

<<  <  ج: ص:  >  >>