تنبيه: وجه إدخال المصنف هذه المسألة في مسائل التصوف وهي من مسائل الكلام: شدة تعلقها بالحقيقة الباعثة على العمل, فإنه إذا علم أن الله خلق العبد وأفعاله, وأرسل الرسل وأنزل الكتب وأخفى على العباد ما علمه من أحوالهم, فما كان في عمله وسابق مشيئته سعيدا يسر له بالطاعة وما كان عكسه منعه منها, ثم الاعتبار بالخاتمة ومبناها على السابقة فالشريعة خطابه لعباده بالحجة, وقيام المحجة, والحقيقة تصريفه في خلقه بما شاء وكيف شاء وقد اجتمعا في قوله تعالى:{لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين} فهذه حقيقة فالحقيقة باطن الشريعة ولا يغني باطن عن ظاهر, ولا ظاهر عن باطن, وقال الإمام في (المطالب): هذه ليست مستقلة بنفسها بل هي بعينها مسألة إثبات الصانع, وذلك لأن العمدة في إثبات الصانع: هو أن الإمكان محوج إلى المؤثر والمرجح فوجب الحكم بافتقار كل الممكنات إلى المؤثر والمرجح.
(ص) ورجح قوم التوكل وآخرون الاكتساب, وثالث الاختلاف باختلاف الناس وهو المختار, ومن ثم قيل إرادة التجريد/ (١٤٥/ك) مع داعية الأسباب شهوة خفية وسلوك الأسباب مع داعية التجريد انحطاط عن الذروة العلية, وقد يأتي الشيطان باطراح جانب الله تعالى في صورة الأسباب أو بالكسل والتماهن في صورة التوكل, والموفق يبحث عن هذين, ويعلم أنه لا يكون إلا ما يريد ولا ينفعنا علمنا بذلك إلا أن يريد الله سبحانه وتعالى.
(ش) في تفضيل التوكل على الاكتساب مذاهب.
أحدها: التوكل لأنه ينشأ عن مجاهدات, والأجر على قدر النصب, ولأنه حاله صلى الله عليه وسلم, وحال أهل الصفة في الحديث الصحيح في صفة