والخامسة: قوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي إلى ما فيه خيرهم وسلامهم وسعادتهم وكمالهم، لأنهم خبسوا أنفسهم ودنسوها بالذنوب والآثام. ألا فلنحذر الغش وهو خروج عن طاعة الله وطاعة رسوله. ومن الفسق ما هو كفر، ومنه ما هو من كبائر الإثم والفواحش فلنحذره إذ كله مانع من هداية الله؛ إذ العبد إذا توغل في الشر والفساد يصبح غير أهل لطلب الهداية بالتوبة والإستقامة، ومن ثم يحرم هداية الله تعالى.
وأخيرا إليك أيها القارئ والمستمع حادثة حدثت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها نزلت هذه الآيات الثلاث فتأملها فإنها تزيدكم فهما وفقها ومعرفة لما تضمنته الآيات الكريمات: عن تميم الدارى قال برئ الناس منها غيري وغير عدى بن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فآتيا الشام لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبنى سهم يقال له بديل بن أبى مريم بتجارة معه جام١ من فضة يريد بها الملك وهو أغلى تجارته فمرض فأوصى إليهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، واقتسمناه أنا وعدى، فلما قدمنا إلى أهله فدفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر ودفعت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فوثبوا عليه فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} .. إلى قوله تعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} فقام عمرو بن العاص ورجل أخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة من عدى بن بداء. رواه الترمذى وابن جرير وضعفه الترمذى وله شواهد وهو موافق لما تضمنته الآية.