للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى (١) أن المأمون قال لأبى علىّ المنقرىّ: بلغنى أنك أمّىّ، وأنك لا تقيم الشّعر، /وأنك تلحن، فقال: يا أمير المؤمنين، أما اللّحن فربّما سبق لسانى بشىء منه، وأمّا الأميّة وكسر الشّعر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكتب ولا يقيم الشّعر، فقال له: سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتنى رابعا، وهو الجهل، يا جاهل! إن ذلك كان للنبىّ صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة، وهو فيك وفى أمثالك نقيصة، وإنما منع النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لنفى الظّنّة عنه، لا لعيب فى الشّعر والكتابة.

وفى فاعل «يأتيك» قولان، قيل: إنه مضمر مقدّر، كما حكى سيبويه (٢) «إذا كان غدا فأتنى» أى إذا كان ما نحن عليه (٣) من الرخاء أو البلاء غدا فأتنى، وتقديره:

ألم يأتك النبأ، ودلّ على ذلك قوله: «والأنباء تنمى» وقيل إن الباء فى قوله: «بما لاقت (٤)» زائدة، و «ما» هى الفاعل، كما زيدت الباء مع الفاعل فى: {كَفى بِاللهِ} (٥) ومع المبتدأ فى قولهم: «بحسبك قول السوء» ومع المفعول فى نحو: (٦) «لا يقرأن


(١) هذه الحكاية بألفاظها فى تفسير القرطبى ١٥/ ٥٤، عند تفسير قوله تعالى من سورة يس: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ.
(٢) الكتاب ١/ ٢٢٤. وذكر سيبويه أن نصب «غدا» لغة بنى تميم. والتقدير: إذا كان ما نحن عليه من السلامة، أو كان ما نحن عليه من البلاء فى غد فأتنى. ويروى بالرفع «غدّ» على أن يكون فاعلا لكان التامة، ولا حذف. راجع كتاب الشعر ص ٣٥٣، وحواشيه. وقد أعاد ابن الشجرى هذا الشاهد النثرى فى المجالس: الثامن والعشرين، والسابع والثلاثين، والتاسع والستين.
(٣) فى هـ‍: «ما نحن فيه».
(٤) نسبه البغدادى فى الخزانة ٣/ ٥٣٥ للأعلم وابن الشجرى.
(٥) سورة الرعد ٤٣، والعنكبوت ٥٢. وفى غير موضع من الكتاب العزيز. وانظر ما يأتى فى المجلس المتمّ الثلاثين.
(٦) جزء من بيت، وتمامه: هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسّور وينسب للقتال الكلابى، وللراعى النميرى. ديوان القتال ص ٥٣، وديوان الراعى ص ١٢٢، وتخريجه فيه مستقصى، وزد عليه: كتاب الشعر ص ٤٤٢، وحواشيه. والحرائر: جمع حرّة، ومعناها الكريمة والأصيلة، وضدّ الأمة. والربّات: جمع ربّه بمعنى صاحبة. والأحمرة: جمع حمار، بالحاء المهملة، وخصّ الحمير؛ لأنها رذال المال وشرّه. يقال: شرّ المال مالا يزكّى ولا يذكّى. والمحاجر: جمع محجر: بوزن مجلس ومنبر. والمحاجر من الوجه: حيث يقع عليه النقاب، وما بدا من النقاب أيضا. وأراد سواد الوجه كله. والمعنى: هنّ خيرات كريمات، يتلون القرآن، ولسن بإماء سود ذوات حمر يسقينها. الخزانة ٩/ ١١٠.