للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى هذا قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدنيّ، وأبو الحسن علىّ بن حمزة الكسائى: {أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ} (١) على الأمر بالسجود، وخفّفا اللام من «ألا» لأنهما جعلاه استفتاحا، دخل على جملة ندائيّة، فالتقدير: ألا يا هؤلاء اسجدوا، ولكن حذف المنادى لدلالة الكلام عليه، وحذف ألف «يا» من اللفظ لسكون السين، ثم حمل الخطّ على اللفظ، فحذفت الألف خطّا كما حذفت لفظا، فإن وقفت على حرف النداء وقفت «ألا يا» ثم ابتدأت: اسجدوا (٢).

فقد علمت بهذه الشواهد أن الذى اعتقدوه من نداء «نعم» ليس بصواب.

وممّا يشهد شهادة قطع بفعليّة «نعم وبئس» اتصالهما بتاء التأنيث الساكنة التى ليس أحد من العرب يقلبها هاء، كما فعلوا ذلك فى تاء غرفة وغزالة وظريفة، إذا وقفوا عليهنّ، وذلك قولهم: نعمت جارية هند، وبئست حاضنة جمل، ألا ترى أن هذه التاء مخصوص بها الماضى لا تتعدّاه، فلا يسوغ الحكم باسميّة ما اتصلت به.

جواب الفرّاء ومن تابعه فى هذه المسألة، يتضمّن اعتراضين واحتجاجات ثلاثة.

قالوا: إنما ولى حرف النداء من الفعل ما كان أمرا لمواجه، أو ما جرى مجرى الأمر، ولم يله فيما علمناه فعل خبريّ، وإنما حسّن حذف المنادى إذا صاحبه الأمر شيئان:

/أحدهما: أن المنادى مخاطب والمأمور مخاطب، والخطاب فى الجملتين الندائيّة والأمريّة يتوجّه إلى واحد، فحذفوا الاسم الأول من الاسمين المخاطبين استغناء بالثانى، والدليل على أن المنادى مخاطب أنك إذا وصفته بالاسم الموصول جاز أن تعيد إلى الموصول ضمير الخطاب، كقول أبى النجم العجلىّ:


(١) سورة النمل ٢٥، وتقدّم تخريج هذه القراءة فى المجلس التاسع والثلاثين.
(٢) إيضاح الوقف والابتداء ص ٨١٦.