للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يشعر به ظاهر الكلام.

وإن أُريد به أنهم ولدوا على الفطرة السليمة التي لو تركت مع صحتها لاختارت المعرفة على الإنكار والإيمان على الكفر بما فيها من قبول واستعداد، ولكن بما عرض من الفساد خرجت عن هذه الفطرة، فيقال لهم: هذا القبول والاستعداد، هل هو كاف في حصول المعرفة، أم أن حصولها يتوقف على مؤثر خارجي، فإن كان الأول فقولهم صحيح، وإن كان الثاني فهو باطل لوجهين:

الأول: أن هذا المؤثر يمكن أن يوجد تارة وينعدم أخرى، وإذا انعدم انعدمت المعرفة، وهذا لا يصح، لأن النبي عمم الفطرة في جميع بني آدم، ولأنه لم يذكر لموجب المعرفة شرطًا، بل ذكر موانعه.

الثاني: أن هذا المؤثر الخارجي يمتنع أن يكون مؤثرًا بذاته، وإنما هو سبب، فعندئذ إن وجب حصول المعرفة فإنما وجبت بالسبب وإن فقدت فلعدمه، وهذا فاسد؛ لأن في الفطرة قبول الكفر والإنكار إذا وجد من يعلمها ذلك، فلا فرق حينئذ بين الإيمان والكفر والمعرفة والإنكار، لأن في الفطرة قوة قابلة لكم منهما وحصول أحدهما متوقف على السبب الخارجي، وهذا باطل (١).

وأما جواب ما استدلوا به من أدلة:

الدليل الأول: جوابه أن يقال: هذا دليل على أن الفطرة هي الإسلام، لأنه شبه التهويد والتنصير بتغيير الخلقة، فدل على أن ضدهما - وهو الإسلام -


(١) انظر: درء التعارض (٨/ ٤٤٤ - ٤٤٦)، وشفاء العليل (٢/ ٨١٦ - ٨٢٢).
وقد جعل شيخ الإسلام أصل كل من هذه الجزئيتين قولًا، مستقلًّا. انظر (٨/ ٣٨٤ - ٣٨٥ و ٤٤٢)، وتابعه على ذلك ابن القيم . انظر: شفاء العليل (٢/ ٧٩١ و ٨١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>