للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضهم بجوازه وأنكر بعضهم جوازه١ وقال بما ذهبنا إليه.

ومثال التخصيص في العلة ما صار إليه أصحاب أبى حنيفة فإنهم قالوا: إن علة جريان الربا في الذهب والفضة هو الوزن وجعلوا لذلك فروعا من الموزنات ثم جوزوا إسلام الدراهم في الزعفران والحديد والنحاس مع اجتماعهما في الوزن يحكم بتخصيص العلة فانتقضت العلة عندنا واحتج من أجاز تخصيص العلة وقال: إن العلل الشرعية أمارات وليس بموجبات وإنما صارت أمارات بجعل جاعل ونصب ناصب فجاز أن تجعل أمارات للحكم في عين دون عين كما جاز أن نجعل أمارة في وقت دون وقت وربما عبروا عن هذا وقالوا العلة أمارة على الحكم فجاز وجودها في موضع ولا حكم كما جاز وجودها قبل الشرع ولا حكم.

ببينة: أن الدليل الشرعى الظنى يجوز أن يكون دليلا في موضع دون موضع.

ألا ترى أن خبر الواحد يكون دليلا عند عدم نص القرآن قالوا: ولأن تخصيص العلة المنصوصة جائز فكذلك العلة المستنبطة وهذا لأن ما يجوز على الشئ وما يستحيل جواز على الشئ لا يختلف بحسب اختلاف طرقه ولم يوجدفى العلتين إلا اختلاف الطريق فإن الطريق في أحدهما النص وفى الآخر الاستنباط وليس هذا مما يوجب الاختلاف بعد أن يكون كل واحد علة ومما اعتمده الأصولين في جواز تخصيص العلة هو أن العلة الشرعية أمارة بوجدها في بعض المواضع من دون حكمها لا يخرجها عن كونها أمارة لأن الأمارة ليس يجب وجود حكمها معها على كل حال وإنما الواجب أن يكون الغالب مواصلة حكمها معها وليس يبطل هذا الغالب بتخلف حكمها عنها في بعض المواضع.

والدليل عليه أن وقوف مركب القاضى على باب الأمير أمارة لكونه في دار الأمير ولا يخرجه عن كونه أمارة على ذلك أن لا يكون القاضى في بعض الحالات في دار الأمير ويرى مركوبه على بابه. ألا ترى أنا نرى مرة مركوب القاضي على باب الأمير ولا يكون القاضي هناك فإن رأينا مرة أخرى مركوبة على باب الأمير غلب على ظننا كونه في داره ولم يمنع تخلف المرة من وجود الظن وغلبته وكذلك الغيم الرطب في الشتاء أمارة للمطر وقت يخلف في بعض الأحايين ولا يدل إخلافه في بعض الأحايين


١ انظر إحكام الأحكام "٣/٣٥١" المستصفى "٢/٣٣٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>