للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله ابن زيد عن أبي امامة رضي الله عنه وكان من أصحاب الرايات قال فبينما نحن كذلك إذا باعلام المشركين قد انتشرت وراياتهم قد ظهرت وزينتهم وصلبانهم قد ارتفعت ولغتهم بالكفر قد طمطمت وأفيالهم قد أقبلت ورجالهم للقتال قد تبادرت فلما رأى المسلمون ذلك أخلصوا نياتهم ولم يهلهم ما رأوا من عدوهم وتضرعوا بالدعاء لخالقهم وقد استغاثوا بمالكهم وأكثروا من الصلاة على نبيهم ولم يزالوا سائرين حتى قربوا من القوم ورأوهم راي العين فعند ذلك أمسك المشركون أعنة خيولهم وسلاسل أفيالهم وألقى الله الرعب في قلوبهم ثم خرج منهم بطريق من عظماء بطارقتهم كأنه برج مشيد من ذهب وهو لا يبين منه غير حماليق الحدق وتدوير المآق وبين يديه فارس من متنصرة العرب وهو يصيح بملء فيه يا معاشر العرب ارسلوا إلى الملك أحدا يكلمه فاعلم المسلمون عمرا وخالد بن الوليد بذلك فأراد خالد أن يخرج إليه فمنعه الأمراء من ذلك فعندها وثب المقداد بن الأسود وحلف لا يخرج إليه إلا هو بنفسه فقال عمرو وخالد يا أبا عبد الله انظر ما يكلمك به الاعلاج وادعهم إلى كلمة الاخلاص المنجية يوم القصاص فإن أبوا فالجزية عن يد وهم صاغرون فإن أبوا قاتلناهم: {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: ١٠٩] .

قال الواقدي: فعندها ركب المقداد جواده وسار حتى وقف بين يدي البطريق وكان ذلك بولص صاحب الكفور الطاغي اللعين بطريق البطليوس وقد أتى باذن الملك والبطارقة فلما رآه كلمه بلسان عربي مبين ثم قال: يا بدوي أأنت أمير قومك قال: لا قال فإني لا أريد إلا الأمير حتى أسأله عما بدا لي لعل أن تكون فيه مصلحة بينكم وبيننا فقال المقداد سل عما بدا لك وما تريد فانا قوم إذا فعل أحدنا أمرا وفيه نصح للدين ومصلحة للمسلمين لا ينكر عليه ذلك ويجيز له الأمير ما فعل فاخبرني عن أمرك وشأنك قال: لا يكلمني إلا أمير القوم وإن كان عنده خوف مني ألقيت سلاحي فقال المقداد وقد ضحك من كلامه ويحك يا عدو الله لو كنت أنت وامثالك باسلحتهم ما فكرنا فيهم وإن الواحد منا لو وقع في ألف منكم لتلقاهم بنفسه ولا أهمه ذلك والمعونة من الله تعالى فانا وطنا أنفسنا على الموت ونعلم أن هذه الدنيا فإنية ولا يبقى إلا وجه الله تعالى فاسألني عما بدا لك فقال له: لا اسمع إلا كلام الأمير فدع عنك كثرة المطاولة قال المقداد أن لنا أميرين أحدهما متولي الامر والآخر قائد الجيوش فأي أمير تريد قال أخبرني بأسمائهما قال أما الذي هو متولي الامر فيسمى عمرو بن العاص والآخر يسمى خالد بن الوليد قال إني أريد خالدا سمعت عنه أمورا وأحوالا وإن الروم تتحدث عنه بعجائب كثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>