للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاتفقوا على رجمها، وعثمان ساكت، فقال: مالك لا تتكلم، فقال: أراها تستهل به استهلال من لا يعلم أن الزنا محرم، فرجع فأسقط الحد لما ذكر له عثمان، ومعنى كلامه أنها تجهر به وتبوح به كما يجهر الإنسان ويبوح بالشيء الذي لا يراه قبيحاً ... وإذا كانت لا تعلمه قبيحاً كانت جاهلة بتحريمه والحد إنما يجب على من بلغه التحريم، ولهذا من أتى شيئاً من المحرمات التي لم يعلم تحريمها لقرب عهده بالإسلام أو لكونه نشأ بمكان جهل لم يقم عليه الحد ولهذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم من أكل من أصحابه بعد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود١ وكذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال: "لا إله إلا الله" لأنه ظن جواز قتله لما اعتقد أنه قالها تعوذاً٢، وكذلك خالد بن الوليد لما قتل بني جذيمة لما قالوا صبأنا لما حصل له من التأويل٣.

فلا وجهة مستقيمة للرافضة للطعن على عمر بهذه القصة، إذ أنها مسألة مبنية على الخلاف والاجتهاد ومشاورة الفاروق رضي الله عنه للصحابة تزيد من قدره ورفعة شأنه، وذلك من تمام فضله وكمال دينه وعقله رضي الله عنه وأرضاه.

ومما ذكروه من القصص التي يسوقونها للاستدلال بها على عدم إلمام الفاروق بالأحكام الشرعية أنهم يقولون: "تنازعت امرأتان في طفل ولم يعلم الحكم وفزع فيه إلى علي، فاستدعى علي المرأتين ووعظهما فلم ترجعا، فقال: ائتوني بمنشار، فقالت المرأتان: ما تصنع به، فقال: أقده بينكما نصفين، فتأخذ كل واحدة نصفاً، فرضيت واحدة، وقالت الأخرى: ألله ألله يا أبا الحسن إن كان ولا بد من ذلك فقد سمحت لها به فقال علي: الله أكبر هو ابنك دونها، ولو كان ابنها


١ـ انظر صحيح البخاري ١/٣٢٨.
٢ـ صحيح مسلم ١/٩٧.
٣ـ منهاج السنة ٣/١٥٠، وانظر المنتقى للذهبي ص/٣٥٤، وانظر قصة خالد بن الوليد مع بني جذيمة.فتح الباري ٨/٥٦-٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>