للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا لم يعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل فعرفه بعض الناس بحالها كان هذا من جملة إعلامه بما يغيب عنه من أحوال الناس، ومن جنس ما يشهد به عنده الشهود، وهذا أمر لا بد منه مع كل أحد من الأنبياء والأئمة وغيرهم، وليس هذا من الأحكام الكلية الشرعية، وإما أن يكون عمر رضي الله عنه قد غاب عنه كون الحامل لا ترجم فلما ذكَّره علي ذكر ذلك، ولهذا أمسك عن رجمها، ولهذا لو كان رأيه أن الحامل ترجم لرجمها، ولم يرجع إلى رأي غيره، وقد مضت سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الغامدية لما قالت: يا رسول الله إني زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم تردني؟، لعلك إن تردني كما رددت ماعزاً فوالله إني لحبلى، قال: "أما لا فاذهبي حتى تلدي" ١.

ولو قدر أنه خفي على عمر علم هذه المسألة حتى عرفه علي بذلك لم يقدح ذلك في علمه لأن عمر ساس المسلمين وأهل الذمة يعطي الحقوق ويقيم الحدود ويحكم بين الناس كلهم، وفي زمنه انتشر الإسلام، وظهر ظهوراً لم يكن قبله مثله وهو دائماً يقضي ويفتي، ولولا كثرة علمه لم يطق ذلك فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب في ذلك ... ثم يقال عمر رضي الله عنه قد بلغ من علمه وعدله ورحمته بذرية المسلمين أنه كان لا يفرض لصغير حتى يفطم ويقول: يكفيه اللبن فسمع امرأة تكره ابنها على الفطام ليفرض له، فأصبح فنادى في الناس أن أمير المؤمنين يفرض للفطيم والرضيع٢ وتضرر الرضيع كان بإكراه أمه لا بفعله هو لكن رأى أن يفرض للرضعاء ليمتنع الناس عن أذاهم فهذا إحسانه إلى ذرية المسلمين٣.

ويقال للطاعنين عليه بهذه القضية إن كانت خفيت عليه فقد خفي على أبي الحسن رضي الله عنه من السنة أضعاف هذا وأدى اجتهاده إلى أن قتل يوم


١ـ صحيح مسلم ٣/١٣٢٣، الموطأ ٢/٨٢١.
٢ـ انظر تاريخ عمر لابن الجوزي ص/٨٤-٨٥.
٣ـ منهاج السنة ٣/١٣٩-١٤٠، وانظر المنتقى للذهبي ص/٣٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>