للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لم يغفل أهل العلم حكم سابهن وعقوبته بل بينوا ذلك أوضح بيان في أقوالهم المأثورة ومؤلفاتهم المختلفة، وفي هذا المطلب أجمع شتات بعض ما ورد في ذلك وليكن البدء بذكر حكم من سب عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها فنقول: إن أهل العلم من أهل السنة والجماعة أجمعوا قاطبة على أن من طعن فيها بما برأها الله منه وبما رماها به المنافقون من الإفك فإنه كافر مكذب بما ذكره الله في كتابه من إخباره ببراءتها وطهارتها، وقالوا إنه يجب قتله.

وقد ساق أبو محمد بن حزم الظاهري بإسناده إلى هشام بن عمار، قال: سمعت مالك بنت أنس يقول: من سب أبا بكر وعمر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم يقتل في عائشة؟، قال: لأن الله تعالى يقول في عائشة رضي الله عنها {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ١.

قال مالك: فمن رماها فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل.

قال أبو محمد رحمه الله: "قول مالك ههنا صحيح وهي ردة تامة وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها"أ. هـ٢

وحكى أبو الحسن الصقلي أن القاضي أبا بكر بن الطيب قال: إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه كقوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ} ٣ في آي كثيرة وذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ} ٤ سبح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبح نفسه في تبرئته من


١ـ سورة النور آية/١٧.
٢ـ المحلى ١٣/٥٠٤، وانظر أحكام القرآن لابن العربي ٣/١٣٥٦، الشفاء للقاضي عياض: ٢/٢٦٧.
٣ـ سورة الأنبياء آية/٢٦.
٤ـ سورة النور آية/١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>