للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك هو معتقد علي رضي الله عنه في قتلى الصحابة رضي الله عنهم في موقعتي الجمل وصفين فقد شهد للقاتل والمقتول منهم بالجنة لأنهم لم يقصدوا بقتالهم إلا الحق الاجتهاد ولم يكونوا مقاتلين لغرض دنيوي أو لإيثار باطل أو لدافع الحقد حاشاهم من كل ذلك وقد ثبت كذلك أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ترحمت على من قاتلها يوم الجمل أو قتل معها من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد ذكر ابن الأثير: أنها رضي الله عنها لما كانت بالبصرة بعد وقعة الجمل سألت يومئذ عمن قتل من الناس منهم معها ومنهم عليها والناس عندها فكلما نعي واحد من الجميع قالت: يرحمه الله فقيل لها: كيف ذلك؟ قالت: كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلان في الجنة، وفلان في الجنة" ٢.

وقولها رضي الله عنها: فلان في الجنة، وفلان في الجنة تعني بذلك من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وسماه مثل طلحة والزبير رضي الله عنهما. ولقد تقدم معنا أن علياً رضي الله عنه تصرف فيما خلفه القتلى في يوم الجمل تصرفاً يدل على أن تلك الحرب لم تكن بين مسلمين وغير مسلمين وإنما هي حرب بين فريقين من المسلمين يرى كل فريق منهما أن الحق في جانبه حيث جمع كل مخلفات موقعة الجمل وبعث بها إلى مسجد البصرة وقال: "من عرف شيئاً فليأخذه إلا سلاحاً كان في الخزائن عليه سمة السلطان"٣.

وصلى على جميع القتلى من الفريقين ودفن كثيراً منهم في قبر كبير٤ كل عمله هذا يدل على إيمانه أنهم جميعاً كانوا يقاتلون اجتهاداً لا عناداً ولا شهوة،


١ـ المصنف لابن أبي شيبة ١٥/٣٣٢.
٢ـ الكامل في التاريخ ٣/٢٥٧-٢٥٨.
٣ـ انظر تاريخ ابن جرير الطبري ٤/٥٣٨، الكامل لابن الأثير ٣/٥٥، البداية والنهاية ٧/٢٦٧.
٤ـ انظر تاريخ الطبري ٤/٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>