للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المدينة حينذاك، فقد أخرج ابن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر فقدم المدينة جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً١ لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا فأنزل الله ـ عز وجل ـ في ذلك من قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} إلى قوله: {لِأُولِي الْأَبْصَارِ} أ. هـ٢.

فكأنه يقول لهم: يا معشر يهود لا يغرنكم كثرة العدد، ولا المال والولد فليس هذا سبيل النصر والغلب فالحوادث التي تجري في هذا الكون أعظم دليل على فساد ما تدعون انظروا إلى الفئتين اللتين التقتا، فئة قليلة من المؤمنين عددها ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ولم يكن معها من القوة إلا سبعون بعيراً يعتقبونها وفرسان فقط٣ ولما كانت تقاتل في سبيل الله كتب لها الفوز والغلب على الفئة الكثيرة من المشركين التي كان عددها ألف رجل ومعها من القوة مائتا فرس يقودونها٤ وفي هذا عبرة أيما عبرة لذوي البصائر السليمة التي استعملت العقول فيما خلقت لأجله من التأمل في الأمور والاستفادة منها ووجه العبرة في هذا أن هناك قوة فوق جميع القوى وهي قوة الله التي يؤيد بها الفئة المؤمنة القليلة، فتغلب الفئة المشركة الكثيرة بإذنه ـ تعالى ـ وقال ابن جرير مبيناً معنى قوله ـ تعالى ـ في الآية السابقة: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} . وتأويل الكلام قد كان


١ـ قال في النهاية: الأغمار جمع ـ غمر ـ بالضم ـ وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور ٣/٣٨٥.
٢ـ جامع البيان ٣/١٩٢، وتفسير البغوي على حاشية الخازن ١/٢٧٢، وتفسير ابن كثير ٢/١٤.
٣ـ السير لابن هشام ١/٦١٣، زاد المعاد ٣/١٧١، البداية والنهاية ٣/٢٨٥، وانظر: مسند الإمام أحمد ١/٤١١ من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، المستدرك للحاكم ٣/٢٠.
٤ـ البداية والنهاية ٣/٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>