للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك، واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي، لاسيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم، بل قضاء الله حاجة مثل هذا الإعرابي وأمثاله لها أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع، وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعاً مأموراً به، فقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل في حياته المسألة فيعطيها لا يرد سائلاً، وتكون المسألة محرمة في حق السائل، حتى قال: "إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها ناراً". قالوا: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: "يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل"١. وقد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحاً ولا يكون عالماً أنه منهي عنه فيثاب على قصده ويعفى عنه لعدم علمه، وهذا باب واسع.

وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها قد يفعلها بعض الناس، ويحصل له بها نوع من الفائدة، وذلك لا يدل على أنها مشروعة، بل لو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهى عنها" انتهى ما قصدنا نقله٢.

والحاصل؛ أن ما ذكره النبهاني في هذا الباب من استغاثة بعض الناس بالموتى وأن مقاصد المستغيثين حصلت وأورد حكايات كثيرة شاهدة له بذلك كلام ساقط، فإن تلك الحكايات لو سلمت من الكذب والافتراء فلا تدل على المقصود من جواز الاستعانة والاستغاثة بغير الله تعالى، فإن الاستغاثة كما ذكرنا سابقاً دعاء والدعاء مخ العبادة، وهي لا تصلح إلا لله، ومن عبد غيره فقد أشرك.

ثم إن أصحاب تلك الحكايات ليسوا ممن يحتج بقولهم، فهم ليسوا بأنبياء ولا صحابة ولا من الأئمة المجتهدين المشهورين، والدين لا يثبت بفعل أمثال من ذكرهم من العوام والجهلة وبعض المتصوفة الغلاة، وقد ذكرنا سابقاً أن الدليل


١ أخرجه أحمد (٣/٤،١٦) وقد تقدم في الجزء الأول من الكتاب.
٢ "اقتصاد الصراط المستقيم" (٢/ ٧٦٦- ٧٦٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>