وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه كان يقول:"إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ".
هذا آخر ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكان للشيخ في هذه المسألة كلام متقدم أقدم من هذا الجواب المذكور، وفيه ما هو أبلغ من هذا الجواب، كما أشار إليه في الجواب، ولما ظفروا في دمشق بجوابه هذا كتبوه وبعثوا به إلى الديار المصرية، وكتب عليه قاضي الشافعية: قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية فصح، إلى أن قال: وإنما المحرم جعله زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء صلوات الله عليهم معصية مقطوعاً بها، هذا كلامه.
فانظر إلى هذا التحريف على شيخ الإسلام، والجواب ليس فيه المنع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل للسفر إلى مجرد زيارة القبور، والزيارة من غير شد رحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى، والشيخ لا يمنع الزيارة الخالية عن شد الرحل بل يستحبها ويندب إليها وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض الشيخ إلى هذه الزيارة في الفتيا لأن السائل لم يسأل عنها، ولا قال إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، لأن العامة فضلاً عن العلماء يعرفون أن زيارة القبور سنة، كيف يظن الجهل بذلك ممن سلم له الاجتهاد المطلق، والله سبحانه لا تخفى عليه خافية.
ولما وصل خط القاضي المذكور إلى الديار المصرية كثر الكلام وعظمت الفتنة وطلب القضاة بها فاجتمعوا وتكلموا، وأشار بعضهم بحبس الشيخ، فرسم السلطان به وجرى ما تقدم ذكره، ثم جرى بعد ذلك أمور على القائمين في هذه القضية لا يمكن ذكرها في هذا الموضع.