وبه علم أن النبهاني مخطىء فيما فهم من كلام ابن القيم، ومعناه الصحيح ما ذكره شيخ الإسلام وجمهور أهل الإيمان، وإن كان بعيدا عن فهم النبهاني وسائر الغلاة.
قال النبهاني:"ومثل تناقضه هذا تناقضه الواقع في عبارته السابقة الشنيعة المعبرة عن القبر المزار بالوثن وأوصاف الزائرين التي ذكرها هي أوصاف زواره صلى الله عليه وسلم، وقد اتبع الحق بقصيدته النونية، فذكر فيها أن الله تعالى قد استجاب دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وهو قوله: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد" فاسجاب الله دعاءه، وهذه أبيات ابن القيم:
ولقد نهانا أن نصير قبره ... عيدا حذار الشرك بالديان
ودعا بأن لا يجعل القبر الذي ... قد ضمه وثنا من الأوثان
فأجاب رب العالمين دعاءه ... وأحاطه بثلاثة الجدران
حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه ... في عزة وحماية وصيان
وجميع الأوصاف الجميلة التي ذكرها في عبارته السابقة للأنبياء عليهم السلام لا شك أنها تؤهلهم لرتبة الاستغاثة بهم إلى الله لقضاء حوائج المستغيثين" إلى آخر كلامه.
أقول: جوابه: أن ما ذكره هذا المعترض من النقل والتصرف فيه مما هو من شأن القبوريين والغلاة كافة، ويزيد عليهم هذا بما في كلامه وتصرفه في كلام غيره من الخطأ والتلبيس، والقصور في الفهم، والتقصير في النظر، كفهمه من كلام العلماء ما لم يريدوه، ومخالفته لهم فيما قصدوه، وإلزامه لهم ما لم يعتقدوه، وحكمه عليهم بالظن الكاذب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" ١. بل دأب هذا الضال- كأسلافه- التمسك بالأمور المتشابهة الخفية، والإعراض عن الأشياء المحكمة الواضحة، كما أن عادته الاعتماد على حديث ضعيف أو مكذوب، أو خبر متشابه لا يدل على المطلوب، وليس هذا طريق
١ أخرجه البخاري (٦٠٦٦) ومسلم (١٩٨٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.