للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كأنّها للمنايا والرّدى رصد ... تظلّ فيها بنات الدّهر تنتضل (١)

يديره ما أدارته دوائرها ... منها المصيب ومنها المخطئ الزّلل

والمرؤ يسعى وما يسعى لوارثه (٢) ... والقبر وارث ما يسعى به الرّجل

قال: فرأيت وجهه قد تغيّر، وقال: هكذا الدّنيا. ومرض المنصور ثم برئ، وإذا هاتف يهتف جوف الليل:

أتطمع أن تبقى وتترك سالما ... وهيهات ما للمرء في ذاك مطمع

ألم تر عادا كيف أضحت ديارها ... ومن بعد عاد كيف دمّر تبّع

٦٢٧ - وقيل: لبس سليمان بن عبد الملك في يوم جمعة من ولايته لباسا تشهّر به (٣)، وتعطّر، ودعا بتخت (٤) فيه عمائم، وبيده مرآة فلم يزل يتعمّم بواحدة بعد أخرى حتى رضي بواحدة منها، وأرخى سدولها، وأخذ بيده مخصرة، وعلا منبره (٥) ناظرا في عطفيه، وجمع حشمه، وخطب خطبته التي أرادها، فأعجبته نفسه، وقال: أنا الملك الوهّاب الكريم المجاب (٦).

فتمثّلت له جارية من جواريه، وكان يتحظّاها، فقال لها: كيف ترين أمير المؤمنين؟ قال: أراه منى النّفس، وقرّة العين لولا ما قال الشّاعر. قال:

وما قال؟ قالت: قال (٧):

أنت نعم البقاء لو كنت تبقى (٨) ... غير أن لا بقاء للإنسان


(١) في تاريخ بغداد، ومروج الذهب: كأنه للمنايا والردى غرض. وتنتضل: تتبارى في الرمي. انظر القاموس (نضل).
(٢) في تاريخ بغداد (بما) وفي مروج الذهب (لما يسعى).
٦٢٧ - مروج الذهب ٤/ ٨ (٢١٥٧)، والهفوات النادرة ٣٦. ومختصر تاريخ دمشق ١٠/ ١٧٥.
(٣) في مروج الذهب: لباسا تستريّا.
(٤) التّخت: وعاء يصان فيه الثياب. القاموس (تخت).
(٥) في الأصل: متنزها. والمثبت من مروج الذهب.
(٦) في الأصل: الحجاب. وفي مروج الذهب: أنا الملك الشاب، السيد المجاب، الكريم الوهاب.
(٧) البيتان لموسى شهوات، وهما في الأغاني ٣/ ٣٦٠.
(٨) في مختصر تاريخ دمشق: أنت نعم المتاع.

<<  <   >  >>