للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أقر بهذا الباحثون المعاصرون كما ذكر ذلك الدكتور محمد عبد الله دراز فإنه قال: "فاعلم أن كلمات الباحثين في نفسيات المتدينين وعقلياتهم قد تطابقت على أنه ليس هناك دين أياً كانت منزلته من الضلال والخرافة، وقف عند ظاهر الحس، واتخذ المادة المشاهدة معبودة لذاتها وأنَّه ليس أحد من عباد الأصنام والأوثان كان هدف عبادته في الحقيقة هياكلها الملموسة، ولا رأى في مادتها من العظمة الذاتية ما يستوجب لها منه هذا التبجيل والتكريم، وكل أمرهم هو أنهم كانوا يزعمون هذه الأشياء مهبطاً لقوة غيبية أو رمزاً لسر غامض يستوجب منهم هذا التقديس البليغ فهي في نظرهم أشبه شيء بالتمائم والتعويذات التي يتفاءل أو يتبرك بها أو يستدفع بها شيء من الحسد أو السحر … ثم ضرب مثالاً لذلك بالزنوج الذين في جبال النوبة وأنهم يعبدون رجلاً يسألونه دفع البلاء وجلب النفع بالمطر والرزق، ويبالغون في دعائه واسترضائه، فإن لم يحصل مطلوبهم سجنوه وربما قتلوه.

فدل هذا على أنهم يعتقدون فيه علم الأسرار والقدرة على قضاء الحاجات إلى حد محدود، كما هو الحال في المعتقدين في الأولياء والقديسين ولا ذلك يمنع من اعتقادهم في الإله الأعظم" (١).

٣ - ثم إن تلك النصوص عامة شاملة لجميع المدعوين من دون الله سواء كانوا من الأصنام الجامدات أو العقلاء. لأن تلك النصوص وردت بألفاظ العموم فتشمل الجميع.

وبعض تلك النصوص جاءت بألفاظ خاصة بالعقلاء نحو ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)[النحل: ٢٠، ٢١]. وليست هذه الآية في الأصنام كما يزعمه من لم يتدبر، لأن الذين لم يخبر به إلا عن العقلاء ولأن الأصنام من الأخشاب والأحجار لا يحلها الموت (٢).


(١) الدين مع الهامش: ٤٢ - ٤٣.
(٢) القول الفصل ص: ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>