للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمسلم مأمور أن يفعل ما أمر به ويدفع ما نهى الله عنه وإن كانت أسبابه قد قدرت فيدفع قدر الله بقدر الله، فالعبد له مع المقدور حالان: حال قبل وقوع المقدور، فعليه قبل وقوعه أن يستعين بالله ويتوكل عليه ويدعوه ويجتهد في دفعه فإذا قدر المقدور بغير فعله واختياره فعليه أن يصبر عليه أو يرضى به، وإن كان بفعله وهو نعمة حمد الله تعالى على توفيقه وإن كان ذنبًا استغفر الله منه (١).

ويدل لهذا قول رسول الله : "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء الله فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" (٢) ففي هذا الحديث الأمر بالحرص على ما ينفع الإنسان والاستعانة بالله على ذلك وعدم العجز وهذا قبل الوقوع ثم الأمر بالصبر.

ثم إن دفع القدر بالقدر نوعان:

أحدهما: دفع القدر الذي انعقدت أسبابه - ولَمَّا يقع - بأسباب أخرى من القدر تقابله فيمتنع وقوعه كدفع العدو بقتاله، ودفع الحر والبرد ونحوه.

الثاني: دفع القدر الذي قد وقع واستقر بقدر آخر يرفعه ويزيله، كدفع قدر المرض بقدر التداوي ودفع قدر الذنب بقدر التوبة، ودفع قدر الإساءة بقدر الإحسان.

فهذا شأن العارفين وشأن الأقدار، لا الاستسلام لها وترك الحركة والحيلة فإنه عجز والله تعالى يلوم على العجز فإذا غُلِبَ العبدُ، وضاقت به


(١) شأن الدعاء للخطابي: ١٣٢، والفتاوى: ٨/ ٧٦، ومدارج السالكين: ٢/ ٢٢٣، وزاد المعاد: ٢/ ٤٤٤ - ٤٤٥، وإغاثة اللهفان: ١/ ٢٤، ومنهاج السنة: ٣/ ٢٦، ٧٨، ٢٣٢، وطريق الهجرتين ص: ٣٨، والتدمرية ص: ٦٢.
(٢) رواه مسلم: ٤/ ٢٠٥٢ رقم ٢٦٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>