للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الفصل مواضع يسألون عنها، وكلّها قريبة المغزى على من أمعن من مطالعة كتبهم، وعرف نبوات أنبيائهم، منها قوله: "أنا قبل أن يكون إبراهيم". وإنما يريد قبلية الاصطفاء والاجتباء، وتقدير الكلام: "أنّ الله قدّر لي النبوة واصطفاني للرسالة قبل خلق إبراهيم". وهذا محمل يتعين حمل هذا الكلام عليه إن صحّ نسبته إليه، ولو كان الأمر على ما [ينهق] ١ به النصارى من دعوى الربوبية لم يخصص القبلية بإبراهيم ولقال: "أنا كنت قبل خلق العالم، وأنا الذي نفخت الروح في حواء وآدم"، ولو جاز أن يتمسك بقوله: "أنا قبل أن يكون إبراهيم"، لجاز ذلك في سليمان فقد قال عليه السلام في حكمته: "أنا كنت قبل الدني، وأنا كنت مع الله حين مدَّ الأرض، وكنت صبيّاً ألهو بين يديه"٢.

فإن قالوا: هذا مُأَوَّل لأن سليمان٣ من بني إسرائيل، فكيف يكون قبل الدنيا؟!.

قلنا: ويسوع المسيح من ولد إبراهيم، فكيف يكون قبل إبراهيم؟! فاستوت الحال وترجح جانب سليمان في / (١/٧٣/أ) هذه القَبْليِّة٤.


١ في ص (يهيق) ولعل الصواب ما أثبته.
٢ سفر الأمثال ٨/٢٢-٣١، بألفاظ متقاربة، وقد ذكره المؤلِّف مختصراً.
٣ سليمان بن داود - عليهما السلام - اسم عبري معناه: "رجل السلام". وهو وأباه داود عند أهل الكتاب مجرد ملكين من ملوك بني إسرائيل وليسا نبيّين من أنبيائهم الكرام، وينسب إليه الهيكل المسمّى بـ: (هيكل سليمان) ، كما ينسبون إليه زوراً وبهتاناً الكثير من كبائر الذنوب، وحتى الشرك بالله، كما ينسبون إليه سفر الجامعة وعدد إصحاحاته (٢) ، وسفر الأمثال وإصحاحاته (٣١) ، وسفر نشيد الأناشيد وإصحاحاته (٨) . (ر: سيرته في سفر الملوك الأوّل وقاموس الكتاب ص ٤٨١، ٤٨٣، ٩٥١) .
أما في المصادر الإسلامية فإن سليمان وداود - عليهما السلام - بلا شكّ - من أنبياء الله الكرام المعصومين. (ر: سيرته في تاريخ الطبري ١/٣٤٤-٣٥٦، قصص الأنبياء، ص ٤٢٨-٤٤٧، لابن كثير وغير ذلك) .
٤ إن كلام المؤلِّف في الردّ على استدلال النصارى على ألوهية المسيح بقوله: "أنا قبل أن يكون إبراهيم"، مقتبس من كلام الحسن بن أيوب - وقد كان نصرانياً ثم أسلم - في الرّدّ على النصارى، وكتابه مفقود، إلاّ أن الإمام ابن تيمية قد نقل أغلب كتابه في الجواب الصحيح ٢/٣٤٠، ٣٤١، كما ذكر الرّدّ أيضاً المهتدي نصر بن يحيى المتطبّب في النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية ص ٢٧٦، ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>