للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولثمتها فتنفّست ... كتنفّس الظّبى البهير (١)

فدنت وقالت يا من‍ ... خّل ما بجسمك من حرور

ما شفّ جسمى غير حبّ‍ ... ك فاهدئى عنى وسيرى

ووقف الشعراء طويلا يصورون حبهم للمرأة وما يذرفون من دموعهم على شاكلة قول بشر بن أبى خازم (٢):

فظللت من فرط الصّبابة والهوى ... طرفا فؤادك مثل فعل الأيهم (٣)

وكانت ذكراها لا تزال تلم بهم. ومن ثم أكثروا الحديث عن طيفها وما يثيره فى أنفسهم من تباريح الحب (٤) ولهم فى وصف هذه الذكرى وما تصنع بهم شعر كثير يصفون فيه صبابتهم على شاكلة قول المرقّش الأصغر (٥):

صحا قلبه عنها، على أن ذكرة ... إذا خطرت دارت به الأرض قائما

وكانوا كثيرا ما يصفون ظعنها. وهى ترحل فى الجزيرة من موضع إلى موضع.

وكانت الرحلة أساسا فى حياتهم، فهم يرحلون وراء منابت الغيث، وينتقلون معها حيث حلت، وفى معلقة زهير وصف طويل لهذه الظعن، وربما فاقه فى هذا الوصف المثقّب العبدى فى قصيدته (٦):

أفاطم قبل بينك متّعينى ... ومنعك ما سألت كأن تبينى

فإنى لو تخالفنى شمالى ... خلافك ما وصلت بها يمينى

وقد مضى يصف ظعنها ويتتبع سيرها وما تصنع هى وصواحبها فى قلوب الرجال وهن يظهرن بكلّة ويسدلن أخرى ويرسلن براقعهن على وجوههن وذوائبهن على ظهورهن:


(١) البهير: من البهر وهو ما يعترى الإنسان والحيوان عند السعى الشديد من النهج ونتابع الأنفاس.
(٢) المفضليات ص ٣٤٦.
(٣) طرفا: يطرف هنا وهناك، الأيهم: المجنون.
(٤) المفضليات ص ٣٩، ١١٣ والأصمعيات ص ٥٧، ٢٤٦.
(٥) المفضليات ص ٢٤٥.
(٦) المفضليات ص ٢٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>