للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها وأن لا يتعداها إلى الشعر الجاهلى عامة.

ويخرج طه حسين فى مصنفه من هذا الكتاب الثانى إلى الكتاب الثالث، فيتحدث عن أسباب نحل الشعر ويبسطها بسطا معتمدا على ملاحظات القدماء، ونراه يردها إلى السياسة والدين والقصص والشعوبية والرواة، أما السياسة وأراد بها العصبية القبلية فرآها تلعب دورا واضحا فى شعر قريش والأنصار، إذ أضافت قريش إلى نفسها أشعارا كثيرة، وقد استكثرت بنوع خاص من الشعر الذى يهجى به الأنصار. وواضح أن هذا لم يكن غائبا عن ابن سلام، فقد نص عليه وحذّر منه كما أسلفنا، كما حذر من أشعار وضعتها قريش على لسان حسان. على أن الأشعار جميعها التى وقف طه حسين عندها ليست جاهلية، وإنما هى إسلامية.

وينتقل إلى الدين فيبين دوره فى هذا النحل متشككا فى الأشعار التى يقال إنها نظمت فى الجاهلية إرهاصا ببعثة الرسول، مما رواه ابن إسحق واحتفظ به ابن هشام فى سيرته، ومثله ما يضاف إلى الجن والأمم القديمة البائدة. ومرّ بنا رفض ابن سلام لهذه الأشعار وما يماثلها. وتشكك فيما أضيف إلى شعراء اليهود والنصارى من أشعار، وكذلك ما أضيف إلى عدى بن زيد العبادى، ولم يكن القدماء فى غفلة عن ذلك (١). ونراه يتحدث عن القصص والقصاص وأثرهم فى وضع الشعر، ومرّ بنا تنبيه ابن سلام على ذلك عند ابن إسحق وأضرابه. ويعرض للشعوبية وما يمكن أن تكون قد نحلت الجاهليين من أشعار لتثبت على لسانهم مثالبهم التى تدعيها، كما تثبت ثناءهم على الأعاجم. وقد تشكك فى هذا الشعر الكثير الذى يضيفه الجاحظ إلى الجاهليين فى مصفه الحيوان، ليدل على اتساع معرفتهم فى هذا العلم: علم الحيوان، عصبية لهم، والحق أن هذا لم يكن من أهداف الجاحظ، فهو نفسه ينفى عنهم العلم الدقيق بالحيوان، إذ يقول إن معارفهم فيه معارف أولية، وإنه إنما دار فى أشعارهم لأنه كان مبثوثا تحت أعينهم وأبصارهم فى ديارهم (٢). ويختم هذا الكتاب بالوقوف عند الوضاعين من الرواة أمثال حماد وخلف، ومرّ بنا كيف أن القدماء كانوا لهم بالمرصاد. ومعنى ذلك كله أنه فى هذا الكتاب إنما يردّد ما نص عليه العلماء السابقون من قضايا، يريد أن يتسع بها


(١) انظر ابن سلام ص ١١٧.
(٢) الحيوان ٦/ ٢٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>