الفخرى يتحدّث مع أيدغمش فيما عمله «١» السلطان من قدومه فى زىّ العربان واختصاصه بالكركيّين، وإقامة أبى بكر البازدار حاجبه، وأنكر عليه ذلك غاية الإنكار، وطلب من الأمراء موافقته على خلعه وردّه إلى مكانه، فلم يمكّنه طشتمر حمص أخضر من ذلك، وساعده الأمراء أيضا، وما زالوا به حتى أعرض عمّا همّ به، ووافق الأمراء على طاعته. فلما كان يوم الاثنين عاشره لبس السلطان شعار السلطنة وجلس على تخت الملك، وحضر الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد وقضاة مصر الأربعة وقضاة دمشق الأربعة، وجميع الأمراء والمقدمين وبايعه الخليفة بالسلطنة وقبّلوا الأرض بين يديه على العادة. ثم قام السلطان على قدميه فتقدّم الأمراء وباسوا يده واحدا بعد واحد على قدر مراتبهم، وجاء الخليفة بعدهم وقضاة القضاة ما عدا القاضى حسام الدين الغورىّ الحنفىّ، فإنه لمّا طلع مع القضاة وجلسوا بجامع القلعة حتّى يؤذن لهم على العادة جمع عليه [طبّاخ المطبخ «٢» السلطانىّ] بعض صبيان المطبخ جمعا من الأوباش لحقد كان فى نفسه منه عند ما تحاكم هو وزوجته عنده قبل ذلك، فأهانه القاضى المذكور، فلمّا وجد الطباخ الفرصة هجم عليه بأوباشه ومدّ يده إلى الغورىّ من بين القضاة وأقاموه وحرقوا عمامته فى حلقه وقطعوا ثيابه وهم يصيحون: يا قوصونىّ! ثم ضربوه بالنعال ضربا مبرّحا، وقالوا له: يا كافر يا فاسق! فارتجّت القلعة، وأقبل علم «٣» دار حتى خلّصه منهم وهو يستغيث يا مسلمين! كيف يجرى هذا على قاض من قضاة المسلمين؟ فأخذ المماليك جماعة من تلك الأوباش وجروهم إلى الأمير أيدغمش فضربهم وبعث طائفة من