وأخرج رجلا من الكرك يعرف بأبى بكر البازدار ومعه رجلان ليبشّروا بقدومه، فوصلوا إلى الأمير أيدغمش فى يوم الاثنين خامس عشرينه «١» ، وبلّغوه سلام السلطان وعرّفوه أنّه كان قد ركب الهجن وسار على البريّة صحبة العرب، وأنه يصابح أو يماسى، فخلع عليهم وبعث بهم إلى الأمراء، فأعطاهم كلّ أمير من الأمراء المقدّمين خمسة آلاف درهم، وأعطاهم بقيّة الأمراء على قدر حالهم، وخرج العامّة إلى لقائه.
فلمّا كان يوم الأربعاء سابع عشرين شهر رمضان قدم قاصد السلطان إلى الأمير أيدغمش بأنّ السلطان يأتى ليلا من باب القرافة، وأمر أن يفتح له باب السرّ حتى يعبر منه، ففتحه وجلس أيدغمش وألطنبغا الماردانىّ حتى مضى جانب من ليلة الخميس ثامن عشرينه أقبل السلطان فى الليل فى نحو العشرة رجال من أهل الكرك، وقد تلثّم وعليه ثياب مفرّجة فتلقوه وسلّموا عليه، فلم يقف معهم، وأخذ جماعته ودخل بهم، ورجع الأمراء وهم يعجبون من أمره، وأصبحوا وقد دقّت البشائر بالقلعة وزيّنت القاهرة ومصر، واستدعى السلطان أيدغمش فى بكرة يوم الجمعة، فدخل عليه وقبّل له الأرض فاستدناه وطيّب خاطره، وقال له: أنا ما كنت أتطلع إلى الملك وكنت قانعا بذلك المكان، فلمّا سيّرتم فى طلبى ما أمكننى إلا أن أحضر كما رسمتم، فقام أيدغمش وقبّل الأرض ثانيا، ثم كتب عن السلطان إلى الأمراء الشاميّين يعرّفهم بقدومه إلى مصر وأنه فى انتظارهم، وكتب علامته بين الأسطر:«المملوك أحمد بن محمد» . وكتب إليهم أيدغمش كتابا، وخرج مملوكه بذلك على البريد فلقيهم على الورّادة»