اتضح من البحث بعد معالجة القضية الأولى (عامل الجزم في جواب الطلب) أنَّ الخطب أيسر من أن يُجعل فيه خلاف، فهم يدورون حول محور واحد؛ فالمضارع الواقع جواباً للطلب مجزوم سواء كان عامل الجزم هو لفظ الطلب ضُمِّن معنى حرف الشرط، أم كان الجازم هو الطلب ناب مناب الشرط، أم كان الجازم شرطاً مقدَّراً دلّ عليه الطلب؟ والقول بأنَّ الجازم للجواب هو شرط ملحوظ من الكلام، فيه حلٌّ للخلاف؛ لأنَّ الإقرار بوجود الشرط موجود في المذاهب الثلاثة، سواء تلفظنا به أم لم نتلفظ به، سواء كان على جهة التضمين، أم النيابة، أم التقدير.
كما كشف البحث النقاب عن علة امتناع جزم المضارع بعد النفي، والخبر المثبت؛ وهي: أنهما ليسا طلباً يستدعي جواباً، فلا يُجزم المضارع بعدهما إلا مع الخبر إذا تضمَّن معنى الطلب. وعَدُّ النفي من قبيل الطلب في نصب المضارع عند اقترانه بالفاء، فيه تَجَوُّزٌ وترخُّص من قبل النحويين.
أمّا منعهم الجزم في جواب النهي إذا كان سلباً، واعتلالهم بعدم صحة المعنى بتقدير " لا " بعد " إنْ " في جملة الشرط المقدرة؛ نحو:" لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك " ففيه تعسُّفٌ، إذ كان بالإمكان القول بجوازه فيما لا يوقع في لبس، إذا دلَّت عليه قرينة معنوية، ومَنْعُهُ فيما أوقع في لبس، ولم تدل عليه قرينة معنوية، أو إظهار الشرط لمنع اللبس كما قال الجرجانيّ؛ فالأمر يتوقف على المعنى أولاً وآخراً، وتقدير الشرط أمر وهميٌّ لتسويغ الجزم في الجواب، وقد أجاز الجزم في نحو ما سبق الكوفيون، والكسائيّ، ووردت به نصوص فصيحة، فالجواز يعضده القياس والسماع، ولا حجّة في قلّة النصوص الواردة، فما جاء عن العرب قليل من كثير.