أما هاء الندبة التي تلحق آخر الاسم المندوب، فهي كذلك تنتج عن كمية الهواء المندفع من الرئتين، فالنادب الذي فقد عزيزاً عليه، متألم أشد الألم تعتصره الحسرة على فقدان ذلك العزيز، فهو يعاني من التعب والنصب، إنه مرهق منهار القوى، أنفاسه متلاحقة، فإذا ما صرخ باسم المندوب مع مابه من انفعال شديد وحرقة مؤلمة، فإنه ينطق الاسم ويمتد نفسه بألف الندبة إلى أن يصبح غير قادر على متابعة استمرارية الهواء المندفع من رئتيه فيلفظه دفعة واحدة فيسمع هاء. وقد ذهب العلماء إلى القول بأن هذه الهاء تأتي لبيان ألف الندبة وتكون مع الوقف، وتحذف مع الوصل. إلاّ أن ورود هذه الهاء لم يقتصر على الوقف فقط، فقد سمعت كذلك في حالة الوصل، كقول الشاعر:
يامَرْحَباهُ بحمارِ ناجِيهْ
كما وردت في قول امرىء القيس:
وقَدْ رابَني قَوْلُها ياهَنا
هـ وَيْحَكَ أَلَحَقْتَ شَرَّاً بِشَرّْ
وقد جعل إلحاق الهاء في الموضعين السابقين على الضرورة الشعرية (٧٨) .
وليس إلحاق الهاء أمراً حتمياً في كثير من المواقف، فقد لا تلحق في الوقف ولا يراد بها تبين شيء. وقد أشار سيبويه إلى ذلك بعد أن تحدث عن المواضع التي تلحق فيها الهاء لتبين الحركة فقال:"وغير هؤلاء من العرب، وهم كثير، لا يلحقون الهاء في الوقف ولا يبِّينون الحركة، لأنهم لم يحذفوا شيئاً يلزم هذا الاسم في كلامهم في هذا الوضع، كما فعلوا ذلك في بنات الياء والواو (٧٩) ". لذا يمكن القول أن إلحاق الهاء هنا يمثل لغة القلة من العرب، فأكثرهم لا يلحقونها.