للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حكى ابن عبد البرِّ الإجماع على وجوب تغيير المنكر على كلّ من قدر عليه، وأَنَّه إذا لم يلحقه بتغييره إِلاَّ اللوم الَّذي لا يتعدى إلى الأذى فإِنَّ ذلك لا يمنعه من تغييره (١) .

وقال ابن العربيّ: إنّ من رجا زوال المنكر وخاف على نفسه من تغييره الضرب أو القتل جاز له عند أكثر العلماء الاقتحام عند هذا الغرر، وإن لم يرجّح زواله فأي فائدة عنده؟ ثُمَّ قال: والَّذي عندي أن النيّة إذا خلصت فليقتحم كيفما كان ولا يبالي (٢) . وقد قال قبل كلامه هذا بأسطر: قال بعض علمائنا: هذه الآية دليل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنْ أدّى ذلك إلى قتل الآمر به (٣) .

والمراد بالآية الَّتي ذكر قوله تعالى في آل عمران: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ((٤) .

(قلت) هذا التصريح من النَّبي (بالأمر الصريح الصحيح بصيغته الصريحة الَّتي هي الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر (فليغيره) مرتّبًا ذلك على ما في وسع المكلّف وإخباره أن ترك ذلك ما وراءه شيء من الإيمان، وتعبيره عليه الصلاة والسلام بمَن الدالة على العموم الشامل لجميع أفراد المكلّفين كل هذا يدل على لزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين هما أساس الدعوة إلى الله لزومًا عينيًا بالإضافة إلى ما ذكره ابن عبد البر من الإجماع على أنّ تغيير المنكر واجب على كلّ من قدر عليه، ومع هذا فإِنَّ مذهب الجمهور مخالف


(١) بواسطة نقل القرطبي: ٤/٤٨.
(٢) أحكام القرآن لابن العربي: ١/٢٦٦ ٢٦٧، ط دار المعرفة.
(٣) المصدر السابق.
(٤) الآية ٢١ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>