للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يقف النحاة بباب التنازع عند صوره البسيطة التي عرفها سيبويه في الأبيات فقد مضوا يعرفونه في الأفعال المتعدية إلى مفعولَين فتقول في رأي الكوفيين" ظننتُ وظنوني شاخصًا الزيدين شاخصَين" أي ظننت الزيدين شاخصين وظنوني شاخصًا". وكذلك في الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل، فتقول في رأي الكوفيين" أعلمتُ وأعلمونيهم إياهم الزيدين العمرين منطلقين" أي أعلمت الزيدين العمرين منطلقين وأعلمونيهم إياهم. ومعروف مما سبق أن البصريين لا يضمرون المفاعيل مع الفعل الأول المتعدي إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل. وتوقف ابن مضاء بإزاء هاتين الصورتين الكوفيتين للأفعال المتعدية إلى مفعولَين وثلاثة مفاعيل، وقال: رأيي وفيما شاكلهما أن كل ذلك لا يجوز؛ لأنه ليس له نظير في كلام العرب ولا جرى في لسانهم. ومن قبله ذهب الجرمي كما ذكر ذلك السيرافي في شرحه على سيبويه والرضي في شرحه على الكافية إلى أنه لا يجوز إجراء التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة؛ لأن ذلك يخرج عن القياس، وإنما يستعمل التنازع فيما استعملته العرب وتكلمت به وما لم تتكلم به فمردود.

وواضح مما سبق أن الأمثلة المستعملة في العربية من هذا الباب هي خبر فعلى الكينونة كما يرى البصريون أو الحال كما يرى الكوفيون وقد يتنازع الفعلان فاعلاً أو مفعولاً به كقوله {آتُوْنِىْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:٩٦]

وقد يطلب أحد الفعلين الاسم على أنه فاعل ويطلبه الآخر على أنه مفعول به. وقد يطلبان جره بالحرف كما في الآية الكريمة {يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللُّهُ يُفْتِيْكُمْ فِىْ الكَلاَلَةِ ... } [النساء:١٧٦] .

وتشهد كل هذه الأمثلة برجحان رأي سيبويه القائل بأن الثاني هو الذي يعمل في الاسم رفعًا ونصبًا وجرًا وأنه استغنى عن الاسم في الفعل الأول لعلم المخاطب به أو بعبارة أخرى حذف لدلالة السياق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>